- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

«بانتظار موردخاي» لسرجون كرم: تاريخيّة شعريّة متأثرة بالثيولوجيا

معمر عطوي

في ديوانه الأخير «بانتظار موردخاي»، ينحو الشاعر اللبناني سرجون كرم منحىً تاريخيّاً متأثراً بالثيولوجيا والاساطير القديمة، فيما يكاد الحب والغزل يكونان غائبين عن قصائده، على عكس ما نعهده لدى العديد من الشعراء.

الا أن فرادة هذا الديوان الأخير أنه صدر باللغتين العربية والألمانية، وحوى قصائد وجودية عميقة في دلالااتها ورموزها الدينية والتاريخية باسلوبية جمالية لا تخلو من الصور الشعرية المعبّرة والعميقة أحياناً.

ويبدو أن أستاذ مادة الترجمة واللغة والأدب العربي في معهد الدراسات الشرقية والآسيوية في جامعة بونـ ألمانيا، قد أغنى تجربته الشعرية من خلال عمله على ترجمات ألمانية رائدة الى اللغة العربية وبالعكس. فها هو يطل علينا بقصائد قديمة وحديثة كتبها بنفسه وترجمها الى لغة الجرمان بنفسه ايضاً. لقد اختارها ليصدرها في كتيب صغير عن دار «شاكر ميديا» في المانيا تحت عنوان Warten auf Mordechai والتي ما هي الا ترجمة لبعض قصائدة التي يبدو أنه تعمد اختيارها وفق رؤية فلسفية معينة، أراد من خلالها صاحب ترجمة «تراجيديا المنصور» (عن الشاعر الالماني هاينرش هاينه)، أن يوظف معرفته العميقة بالأسطورة في سبيل حياكة ثوب شعري له دلالاته الفكرية ورسالته الانسانية.

أما المفارقة فهي في عنوان الكتاب المثير للجدل، اذ يتبين أن «بانتظار موردخاي» ما هو الا قصيدة صغيرة جداً ختم ديوانه بها تقول: يقول مردخاي/ صديقي الحاخام: التأويل تسعة وتسعون والحقيقة واحدٌ في المئة».

هي إذن حكمة أراد من خلالها أحد مؤسسي «الصالون الشعري العربي الألماني»، أن يقول أن الشعر هو أفكار ومقولات فلسفية وأسئلة وجودية. لعله يتماهى مع المثل الروسي الذي يقول: «العاقل يجهد في طلب الحكمة اما الأحمق فيقول: وجدتها».

ربما كانت القصيدة الوحيدة التي تتضمن شيئاً من الحب هي «إلى أناييس» التي بدأ بها ديوانه ويقول فيها: عيناك اللؤلؤان/ الملك الذي يخرق الحجب ويحضر على غفلة ليقرأ السلام/ هُبل القشعريرة/ والمطر المتلقّف قطراته-رحمة- إن ارتطمت/ سبحانك يا من علّم آدم الأسماء كلّها/ أين لغة الآلاء؟ أين الكلام/ أين الكلام؟

ولأن الترجمة دائماً تقع في فخ الخيانة للنص الأصلي يتبين من خلال بعض القصائد أن الترجمة الالمانية لم تنقل التعبير الدقيق للعبارة العربية، فبدت بلغتها الجديدة مشوهة عن النص الأصلي، لكن هذه الملاحظات ليست حالة عامة في الكتاب، اذ يتضح انه حين يكون المترجم هو نفسه صاحب النص الأصلي يحاول أن لا يقع في خيانة تعبيراته التي كتبها بلغته الأم.

لكن في أي حال، هناك لغة تاريخية ثيولوجية مكثفة من منطلق نقدي غير مستغرق في المعنى اللاهوتي، في قصائد كرم هذه، مثل قوله: سخريّة الأقدار/ تبادل الأدوار/ موسى على الطور المقدس/ وأنا في الرمق الأخير.

أيها الإله المسترزق من ساعات ضعفي/ وخشيتي وصلاتي، واضطرابي/ أيّها الرعب الهائل المتعرّق لغة/ سراباً/ وضباباً../ تجلّ وانطق بمن أنت/ لأنقل إلى قومي خرافاتهم.

هو ديوان سهل ممتنع يتضمن العديد من القضايا ويمكن للقارئ الألماني والعربي، على حد سواء، أن يتماهى مع دلالاته الفلسفية ويفك طلاسم تركيبته الأسطورية.