عندما نتحدث عن زيارات الأسرى داخل سجون الاحتلال، فعليك الانتظار شهوراً طويلة، للحصول على موافقة من قوات الاحتلال، لمن سيحظى بهذه الزيارة، بعد فحص صلة القرابة، وتفاصيل دقيقة عن شخصية كل زائر. لكن الأمر لا يتوقف بالمطلق على “تصريح” الزيارة الإسرائيلي، بل على الطريق الشاقة، والتفتيش المذل الذي يمارسه جنود الاحتلال على أهالي الأسرى وأقاربهم خلال هذه الرحلة في سبيل الوصول لرؤية أبنائهم.
سجون “الجنوب” الفلسطيني من سجني رامون ونفحة، تعتبر الكابوس الرئيس للأهالي من بيت لحم والخليل، اذا ما حصلوا على تصريح الزيارة، لأنهم يعرفون بأنهم سيمرون بحاجزي الظاهرية والشمعة إلى الجنوب من الخليل، وبسبب الإذلال المقصودة بحقهم، تحولت هذه الحاوجز إلى مكان للمواجهة بين أهالي الأسرى وجنود الاحتلال.
أهالي الأسرى وبحسب إفادات قدموها لوزارة الاسرى والمحررين قالوا “ان جنود هذه الحواجز يتعمدون تفتيش الأهالي من الرجال والنساء وتعريتهم”، مما خلق تذمراً واسعاً في صفوفهم، ورفض عدد منهم التفتيش ولم يكمل الرحلة إلى الزيارة.
ولأن هذه الحواجز تعتبر البوابة الإجبارية لأهالي الأسرى إلى سجون الجنوب، يتفنن جنود الاحتلال في إذلالهم، خاصة النساء منهن، فلا يكتفي الجنود والمجندات بالأجهزة الالكترونية في التفتيش، بل يعمدون إلى إجبار النساء على خلع ملابسهن بطريقة مذلة ومهينة.
أهالي الأسرى في مناطق بيت لحم والخليل أعلنوا توقفهم عن الزيارات إذا استمرت هذه المعاملة المهينة لكرامتهم، ورغم عقد أكثر من لقاء مع المسؤولين في الصليب الأحمر الدولي، كجهة منظمة للزيارات تجري التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن شيئاً لم يتغير على الحواجز العسكرية الإسرائيلية، أو ممارسات الجنود.
ويقول ممثل الأسرى في سجن “ريمون” الأسير جمال الرجوب المحكوم بالسجن المؤبد “كرامتنا أغلى من كل شيء، ولا نريد هذه الزيارات التي تهان بها زوجاتنا وأخواتنا”، وان الأسرى أرسلوا رسائل إلى كافة الجهات المسؤولة في الصليب الأحمر وإدارة السجون حذروا فيها من خطورة استمرار سياسة إذلال الأهالي على الحواجز، وان هذا الموضوع خط احمر بالنسبة للأسرى.
حاجز الظاهرية العسكري نموذج لعشرات الحواجز المنتشرة داخل إسرائيل والتي من خلالها يتم تعذيب أهالي الأسرى وإذلالهم والتنغيص على حياتهم، بحيث تحولت الزيارات إلى عقوبة قصوى للأهالي ورحلة مليئة بالمرارة والمعاناة.
كما أن عددا كبيرا من أهالي الأسرى الذين يمكثون لساعات طويلة على الحواجز سواء في البرد الشديد، او في الحر الشديد، يعودون رافضين الزيارة بسبب المعاناة الطويلة، وبعضهم قد مزقت تصاريحه من قبل الجنود من دون إبداء أي أسباب، وخاصة ان الإجراءات المتخذة على الحواجز تجعل من الزيارة كابوساً ثقيلاً على المرضى وكبار السن.
إحدى أكثر الحالات حزناً هي لوالدة الأسير منيف أبو عطوان، التي تعرضت للإذلال على حاجز الظاهرية، وأصيبت بحالة إغماء وتعب شديد، وبعد زيارة لابنها توفيت على الفور، كما أن نفس الحاجز شهد عمليات إجهاض عدة لنساء حوامل.
هذه واحدة فقط، من صور الاحتلال الإسرائيلي، وما يتعرض له الفلسطيني في حياته اليومية، فلقمة عيشه مغمسة بالدماء، وزيارته لإبنه الأسير فيها مذلة، وتنقله بين مدن الضفة الغربية عبر الحواجز في تنغيص كبير، وما خفي كان أعظم.
