- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

زعامات على كيفك!

شفيع العبد

في كلمته للتاريخ الموسومة بـ”إشكاليات من واقع ثورة الفرصة الأخيرة”، قال الدكتور ياسين سعيد نعمان: “إن صناعة الزعامات على عجل هي أخطر ما تتعرض له الثورات، حيث تصبح الفواتير التي يجب على الثورة أن تدفعها ضخمة لدرجة الإرهاق”.

علينا الاعتراف إذن أن اللحظة التاريخية التي تخلّق فيها الحراك الجنوبي قد صنعت زعامات كثيرة على عجل، هذه الزعامات لم تخرج عن مربع “المحاربين القدامى” او “أبناء الشهداء والمناضلين”، وبقدر ما هي ميزة، إلا أن لها سلبياتها وإشكالياتها وتعقيداتها، التي  أوصلتنا في لحظة معينة إلى حالة من “تضخيم” تلك الزعامات على حساب القضية التي يناضل من اجلها كل الجنوب، وأصبحنا نرى القضية من شُرفة هذا الزعيم او القيادي، لدرجة عدم قدرتنا على الفصل بين القضية وقياداتها، ليلقي “الالتباس” بظلاله السوداء على تفاصيل الأمور، وسط حالة من “الضجيج” تاهت وسط زحمتها أدوات “العقل”، ودلالات “المنطق”.

اختلطت علينا الأمور، فلم نعد نميّز بين سلوكيات “الزعامات” أو” القيادات” والقضية. سلوكيات الأفراد مشمولة بالخطأ والصواب، لأنهم في النهاية بشر، لذا فهم لم يكونوا يوماً ما فوق مستوى النقد، إلا في الأنظمة الشمولية الاستبدادية القمعية.

في الحراك الجنوبي لا يراد لنا البتة الاقتراب من تلك “الزعامات والقيادات” التي وجدت نفسها –غير مصدقة- على هرمه، بينما في حقيقتها تفتقر إلى كثير من معايير القيادة وشروطها، يراد لنا أن “نطبطب” على ظهورها ونمجدها ونضفي عليها طابع “القداسة” و”الصنمية” ونلتمس لها العذر “الدائم” أمام كل خطأ ترتكبه- وما أكثر أخطاءها-!.

أي نقد لسلوكيات وأخطاء القيادات تلك، يعد مساساً بشخوصهم، وإساءة بالغة بحق “القضية”، يضع صاحبه في دائرة “الشك” و”التخوين”، وينفي جنوبيته، وينسف نضالاته.

أصبح لكل منطقة “قديسها” الذي تهتف باسمه، وتمجده، وتقف على قدم واحدة، في مواجهة من يتجرأ على محاولة النيل من هذه القداسة المفروضة.

مشكلتنا في الإعلام الجنوبي إننا ساهمنا بشكل او بآخر في تخلّق هذه القداسة الوهمية، حين كانت كتاباتنا وكأنها تتحدث عن “مانديلا” او “غاندي” او ” تشي جيفارا” او الحكيم  الصيني “كونفوشيوس” او “بوذا”، وعندما نأتي اليوم لنقد سلوكيات هؤلاء، نجد جزءاً من المجتمع غير قادر على تقبل مثل ذلك، ويعتبره مساساً مباشراً بحياة رموزه، جزاء من اقترفه التخوين واللعن والخروج من دائرة الوطنية، ربما تتطور في مرحلة متقدمة إلى “التكفير”!

“التخوين” هذا المنهج اللعين، لنا معه في الحراك الجنوبي حكاية تتشعب تفاصيلها، الكل يتذكر “القسم الشهير” وصاحبه، حين تلاه بحماس ثوري في مهرجان 14 أكتوبر 2007 بمنصة الحبيلين، وكانت الجماهير المحتشدة تردد بعده بعفوية صادقة، ونقاء ضمير، ومن بين فقراته “تخوين الجنوبي للجنوبي حرام”.

ربما فُهمت تلك الفقرة على نحو: “عدم تخوين الجنوبي للجنوبي حرام”، فبات الاتهام بالخيانة أمر سهل يمكن لأي احد أن يقذفه في وجه مخالفيه. تصوروا حتى من اسميهم “حراكيون ما بعد الثورة” واقصد بهم من انضموا للحراك الجنوبي بعد ثورة الشباب السلمية، صاروا أكثر قدرة على إتقان التخوين بحق من خرجوا للساحات والميادين منذ انطلاقة الحراك الجنوبي وتعرضوا للاعتقال والمحاكمات والمطاردات، بينما هؤلاء كانوا “يتلذذون” بالنظام ومنافعه.

أن إعادة النظر في تشكيلات الحراك الجنوبي على أسس منهجية وفق قاعدة من الأدنى إلى الأعلى، مع الأخذ بعين الاعتبار التمثيل الوطني المتساوي لكل المحافظات، سيحد بالطبع من هيمنة “نطاق جغرافي” بحد ذاته، وسيقلل من “صنمية” البعض، وسيتيح الفرصة أمام زعامات حقيقية للوصول إلى صدارة المشهد لخدمة القضية دون انتظار المقابل عبر احد محلات “الصرافة” الشهيرة.. وكفى!!