احتشد الاف المسيحيين الاحد لالقاء نظرة الوداع على البابا شنودة الثالث، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي سعى لتهدئة التوتر الطائفي على مدى أربعة عقود امضاها على رأس الكنيسة الارثوذكسية في مصر قائلا انها “وطن يعيش فينا”.
وتوفي البابا شنودة الثالث السبت عن عمر يناهز 89 عاما ليتدفق التعبير عن الحزن لرحيله من المسيحيين والمسلمين على السواء.
ويشكو المسيحيون الذين يمثلون نحو عشر سكان مصر البالغ عددهم 80 مليوناً، من التمييز ضدهم. وقد كثفوا خلال العام المنصرم الاحتجاجات لتحقيق مطالب من بينها وضع قواعد جديدة لتيسير بناء الكنائس.
واختير شنودة بابا الاسكندرية رقم 117 في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1971 ليتزعم الطائفة الارثوذكسية التي ينتمي اليها معظم مسيحيي مصر. وقالت وسائل إعلام محلية إن قداس الجنازة سيقام يوم الثلاثاء.
واحتشد الاف المسيحيين حول الكاتدرائية المرقسية في حي العباسية بوسط القاهرة مساء السبت وصباح الأحد لالقاء نظرة الوداع على جثمان البابا شنودة، الذي سجي في نعش في البداية ثم أجلس على عرش احتفالي مرتديا ملابس حمراء مذهبة وتاجا ذهبيا وهو يحمل صولجانا مذهب الرأس.
وكانت للبابا شعبية كبيرة بين المسيحيين المصريين حتى خارج الكنيسة الارثوذكسية وايضا بين كثير من المسلمين. الا ان بعض النشطاء المسيحيين يقولون انه كان ينبغي على البابا شنودة الضغط اكثر للحصول على المزيد من الحقوق للأقباط.
ونشرت الصحف العبارة التي كثيرا مارددها البابا شنودة وتقول “مصر ليست وطنا نعيش فيه وانما وطن يعيش فينا”.
ومن المقرر ان يدفن في دير بوادي النطرون في الصحراء شمال غربي القاهرة بناء على وصيته، وكان حدد الرئيس المصري الاسبق انور السادات اقامة البابا في دير وادي النطرون عام 1981 لانتقاده معالجة الحكومة لعنف الإسلاميين في السبعينيات ومعاهدة السلام التي ابرمتها مصر مع إسرائيل عام 1979.
وإبّان حكم الرئيس السابق حسني مبارك كانت العلاقات بين الحكومة والكنيسة القبطية سلسة بوجه عام وصورته وسائل الاعلام التابعة للدولة كرمز للتعايش بين الاديان رغم اندلاع اعمال عنف طائفية من وقت لاخر.
وأيد شنودة مبارك في ايامه الاخيرة في الحكم قبل ان تطيح به انتفاضة في فبراير شباط 2011 وهو ما اثار انتقادات من بعض اعضاء كنيسته الذين شاركوا في الاحتجاجات التي اطاحت بالرئيس المصري.
وساند بعض الزعماء المسلمين ايضا مبارك في أيامه الاخيرة.
ويشكو المسيحيون من قوانين تضع قيودا على بناء الكنائس بالمقارنة ببناء المساجد ويقولون ايضا انهم يعانون من تفرقة في أماكن العمل.
واتهم مسيحيون اسلاميين متشددين بمهاجمة كنائس وقالوا ان السلطات فشلت في التدخل لحمايتها لكن خبراء يقولون ان بعض الحوادث الاخيرة نتجت عن ضغائن شخصية بين المواطنين فضلا عن التوترات الطائفية.
وعلى مدى سنوات اندلعت أعمال عنف على هذا النحو نتيجة مشاكل تتراوح من خلاف على بناء كنيسة إلى علاقات عاطفية بين اتباع الديانتين.
وذكرت وسائل اعلام حكومية ان المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة منح المسيحيين العاملين في مؤسسات الدولة إجازة ثلاثة ايام لوداع البابا.
ونعى المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير امور مصر منذ تنحي مبارك تحت ضغط الانتفاضة الشعبية البابا شنودة. وعبر في بيان عن الامل في “ان تتحقق امانيه الغالية والتي عمل عليها باخلاص وامانة طوال حياته للحفاظ على وحدة مصر ووحدة نسيجها الوطني”.
ونعاه ايضا شيخ الازهر ومفتي مصر وجماعة الاخوان المسلمين.
ويتولي اسقف البحيرة بوخوميوس منصب قائم مقام البابا لمدة شهرين لحين انتخاب بابا جديد.
في المواقف الدولية، قدم الرئيس الامريكي باراك أوباما تعازيه في وفاة البابا شنودة وصلى من اجله البابا بنديكت الزعيم الروحي للكاثوليك بعد ان علم بخبر وفاته. وقال البابا “اود ان اعرب لأعضاء المجمع المقدس وللاساقفة واتباع البطريركية عن عميق مشاعر تعاطفي الاخوي”، واصفاً اياه بأنه “داعية للوحدة بين المسيحيين”، وقال ان الكنيسة الكاثوليكية “تشاطر الاقباط الارثوذكس آلامهم”.
وقال الرئيس الامريكي في بيان اصدره البيت الابيض “سنذكر البابا شنودة الثالث كرجل عميق الايمان وزعيم لعقيدة عظيمة وداعم للوحدة والمصالحة”، مضيفاً ان شنودة كان ملتزما بالوحدة الوطنية “وزعيما محبوبا لاقباط مصر ومساندا للتسامح الديني والحوار بين الاديان”.