- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الأم والأرض سبب الوجود والبقاء

معمر عطوي

مما لا شك فيه أن العلاقة بين الأم والأرض علاقة جدلية تجعل من جنسين مختلفين في تكوينهما متشابهين في تأثيرهما وحجم عطائهما. لذلك ليس غريباً أن يكون موعدنا مع عيد الأم قريباً جداً مع موعد يوم الأرض الفلسطيني.

فما بين 21 آذار و30 منه أيام معدودات، تجعلنا نعيش في مناخات العطاء الذي تقدّمه لنا الأم بما تحمله من تعب وجهد يسبقان مجيئنا الى الحياة ومن ما تقدّمه من حضانة ورعاية وتربية وتغذية، بما يشبه الى حد كبير ما تعطيه لنا الأرض من خيرات وأسباب استقرار وبقاء وامكانيات حماية ورعاية. والمفارقة الجميلة ان الأم والأرض كلاهما مؤنث يعبق بالعطف والحنان.

لعل يوم الأرض الفلسطيني يشبه كثيراً يوم الأم لما لهذه الأرض من أهمية ودلالات تاريخية ودينية وانسانية وسياسية تعطيها البعد الانسانوي الذي يتجاوز الحيز الجغرافي ليحمل مضمون كلمة “الأرض” دلالاتها الانسانية ويشحنها بجرعات عاطفية بما يشبه محاولات أنسنة الأرض.

وفي مقابل ذلك يتم اعطاء الأم دلالات الخصوبة في عطائها المتواصل بدءاً بالحمل والولادة ومن ثم الإرضاع والرعاية حتى الكبر والاحتضان، فتتحول الأم بذلك الى مناخ تام لها بعدها البيئوي أو الجغرافي اذا صح التعبير.

فالخصوبة والرعاية والعطاء مزايا تتقاسمها الأرض مع الأمومة لتصبح علاقة الانسان بالأم كعلاقته بالأرض يبادلها الحنان ويعطيها الشكر مقابل ما تمنحه اياه من الدفء. يدافع عنها في مواجهة المخاطر ويفديها بروحه اذا تطلّب الأمر.

وليس غريباً ان يرتبط الشرف تاريخياً بالمرأة والأرض معاً، مصداقا للقول “والأرض والعرض”. ولطالما كان بيع الأرض عارٌ مثل بيع المرأة عند بعض القبائل والشعوب التي تقدّس التراب وتتعامل معه على طريقة اللممنوعات الثلاث من الإعارة: المرأة والفرس والسيف.

 فاحترام الأم وتقديرها مشابه لاحترام الأرض والاهتمام بها، بل هي علاقة تبادلية فاذا قصــّر أحد الطرفين في الالتزام بمسؤولياته تجاهها فقدت رونقها واستلبت انسانويتها.

وهذا ما حصل مع أرضنا الكريمة في فلسطين وما حولها، حينما تخلينا عنها وتركنا العدو يستبيح كرامتها وناسها وخيراتها.

فقدناها وصرنا لا نراها الاّ من خلف أسلاك ودموع وقنابل. كذلك هي الأم اذا “عققناها” نلنا غضبها ، وغضب الأم في شرائع الاديان كارثة على الإنسان، الذي وبحسب معتقدات العديد من الشعوب “لن يوفّق في حياته طالما والدته غير راضيه عنه”. وأوصى نبي الاسلام محمد بالأم حين جاءه رجل يسأله: يارسول الله من أحقّ الناس بصحبتي ورعايتي ؟ فقال الرسول: امك

سأل الرجل ثانية: ثم من؟ فقال الرسول: أمك

ثم سال ثالثة: ثم من؟ فقال الرسول: أمك

فسأل رابعة: ثم من؟ فقال الرسول: أبوك

أليست معادلة موضوعية تلك التي تجعل الأم في كفة مقابل كفة الأرض؟

أليس الحفاظ عليهما يتطلب مواقف العزة والشجاعة، لنستحق كل هذا العطاء الذي يمثل استمرارنا، فمن دون الأم لن نكون موجودين في هذه الحياة، ومن دون الأرض لن نجد مكاناً يأوينا. وبوجودهما نكون.. فهل نكون أو لا نكون..؟ علينا ان نختار بين الحضن الدافئ والمنفى.