- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“الإخوان” المدنيون

نجاة شرف الدين

أعلنت حركة النهضة الإسلامية، التي تقود الحكومة في تونس، أن الإسلام لن يكون المصدر الأساسي للتشريع في الدستور الجديد، حاسمة بذلك الجدل الدائر بين العلمانيين والإسلاميين حول هوية الدولة.

هذا الموقف التونسي كان سبقه بيوم واحد، تظاهرة سلفية في شارع الحبيب بورقيبة ضمت حوالى ثمانية آلاف متظاهر حملوا الاعلام السوداء التي كتب عليها “لا إله الا الله محمد رسول الله”، مطالبين بتطبيق الشريعة وان يكون الاسلام المصدر الرئيسي للدستور.

 ما حصل في تونس، تزامن مع ما اعلنته جماعة “الاخوان المسلمين” في سوريا، خلال مؤتمر صحافي عقدته في اسطنبول، قالت فيه إنها مع اقامة دولة مدنية في سوريا. وقال مراقبها العام، رياض الشقفة، إن الإخوان مع إقامة دولة ديموقراطية تعددية في سوريا، مشيراً إلى أن جماعته لا فرق لديها بأن يأتي مسيحي أو مسلم أو امرأة للرئاسة، ما دام الفائز يستحق منصبه نتيجة تصويت شعبي. وشددت الجماعة على الالتزام “باحترام حقوق سائر المكونات وخصوصية المكونات بكل ابعادها وبحق التعبير عن الخصوصية واحترام المؤسسات وفصل السلطات”.

هذا الموقف الذي فاجأ الاعلام، ولا سيما الغربي، طرح مجموعة من التساؤلات عن التوقيت والهدف من الاعلان، فهل هو يحمل رسالة طمأنة للأقليات السورية، ولا سيما المسيحية، أم يحمل رسالة الى الغرب الخائف من المد الاسلامي في بلدان ما سمي بـ”الربيع العربي”، أم هي محاولة للتقرب من القوى الديموقراطية والليبرالية المستقلة من اجل تعزيز الموقع الإخواني السياسي لتوحيد صفوف المعارضة تمهيداً لمرحلة ما بعد سقوط النظام؟

هذا الحراك الإخواني ذي الطابع المدني في كل من تونس وسوريا، لم تواكبه مؤشرات مماثلة في مصر، فيبدو أن الصراع المستتر بين الجيش والإخوان، برز الى العلن مع التوتر الذي برز مع صدور البيانات المتضمنة لاتهامات متبادلة بينهما على خلفية التشكيك باستقلالية المحكمة الدستورية العليا، وتحذير من جماعة الاخوان المسلمين للمجلس العسكري من تزوير انتخابات الرئاسة ومن التأثير على المحكمة الدستورية العليا، فيما اعرب المجلس الاعلى للقوات المسلحة عن بالغ الاستياء للبيانات التي صدرت من إحدى القوى السياسية، دون ان يسميها، بما يطعن في نزاهة قصد القوات المسلحة ومجلسها الأعلى وينال من أداء ووطنية الحكومات، داعياً “الجميع الى أن يعوا دروس التاريخ لتجنب تكرار أخطاء ماضي لا نريد له أن يعود، والنظر إلى المستقبل بروح من التعاون والتآزر”، في  تلميح واضح الى المواجهة التي وقعت بين جماعة الاخوان والرئيس الاسبق جمال عبد الناصر في العام 1954 وانتهت بحل الجماعة في ذلك العام.

لا شك أن هناك تحولاً في المواقف الإخوانية باتجاه الصورة المدنية، المواكبة لبراغماتية في التعامل، ولا سيما بعد الحوار الذي بدأ مع الأميركيين، ومحاولة التمثل بالنموذج التركي للدولة، وهي مؤشرات تطمئن الغرب والقوى الديموقراطية والعلمانية، انما تستفز القوى السلفية، الشريكة في السلطة في كل من مصر وتونس، وربما سوريا لاحقاً، وتغضب بعض دول الخليج كما كان واضحاً من الاتهام الذي اطلقه قائد شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، لجماعة الإخوان المسلمين”، بالتآمر على دول الخليج لاستلام الحكم، متوقعا أن تكون البداية من الكويت عام 2013.

وقال ضاحي خلفان لصحيفة “القبس” الكويتية “إن الإخوان يتجهون نحو تغيير الأنظمة في الخليج. عندي مصادر تقول إن القادم هو جعل حكومات الخليج تملك ولا تحكم، وان البداية ستكون من الكويت عام 2013 وفي بقية الخليج عام 2016”.

الكلام الاماراتي الذي كان مفاجئاً بالنسبة للمراقبين، تزامن مع الغاء الكويت لندوة كانت مخصصة للنقاش في المجتمع المدني نتيجة اعتراض نواب الكويت المتشددين او السلفيين، فاختار وزير الداخلية الغاء المؤتمر بدلاً من المواجهة غير المناسبة في توقيتها، وخصوصاً بعد انتخاب برلمان جديد، الذي حظي فيه الإسلاميون بالأكثرية .

الإخوان المسلمون يرسمون خريطة طريقهم نحو السلطة على الإيقاع المدني، والإعلام يبدو معجباً بالنموذج الإخواني بنسخته المعتدلة، في مقابل نموذج سلفي مستفز في الشكل قبل المضمون، فهل هي مناورة إخوانية في سياق الخطاب البراغماتي المتبع حالياً، ام هناك ما يؤشر فعلياً الى تحول في اتجاه الرياح الإخوانية المدنية على الساحة العربية؟