- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أفريقيا و”تداول السلطة”

نقطة على السطر
بسّام الطيارة
انتخب السنغال في تمام الجولة الثانية رئيسه «ماكي سال»، وهو الرابع منذ الاستقلال. الرئيس المنتهية ولايته «عبد الله واد» اتصل بالرابح ما أن تبين مؤشر فوزه، ليهنئه رغم سخونة الحملة الانتخابية.
في نظرة «استشراقية» يصعب نزعها لدى أغلبية المعلقين والمفكرين الغربيين، فإن «أي تداول سلمي للسلطة في جنوب البحر المتوسط» هو خبر جيد تتعامل معه الوسائل الإعلامية كأعجوبة ويستثير الكثير من التعليقات المدبجة والمنمقة، والتي لا تغيب عنها بعض الشطحات العنصرية.
بعد شاطئ العاج، نظر العالم بهلع للانتخابات الرئاسية السنغالية واعتبر أن إصرار واد على الترشح لولاية ثالثة هو بداية مسار ينحى نحو العنف ويحاكي الانتخابات العاجية التي أوصلت إلى حرب أهلية وتدخل فرنسي لتنصيب الحسن واتارا ولسوق منافسه لوران غباغبو إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي.
يذكر الجميع في نهاية «الحرب العاجية» قول معظم زعماء الغرب ما معناه «لقد انتهى زمن الانقلابات وبتنا في أزمنة الأنظمة الدستورية»، مع سبابة ممدودة نحو لاهاي للإشارة إلى مصير من يخالف هذا النظام العالم الجديد المبني على احترام صندوق الاقتراع.
إلا أن نظرة إلى مروحة الدول التي يمكن أن تنطبق عليها صفة «احترام دستورية النظام في جنوب البحر المتوسط» تفيد بأن رضى الغرب كان ولايزال انتقائياً بالدرجة الأولى. في القارة السمراء يسمح بانقلاب في حال جاء متوافقاً مع مصالح الغرب، وعندها يمر من دون «عقاب» وتظل سلة محكمة لاهاي فارغة، وقد حصل هذا في موريتانيا واليوم لا أحد ينظر إلى الانقلابيين ويرى فيهم انقلابيين.
شهدت مالي انقلاباً على نمط الستينيات: ضباط من الدرجة الثانية أحتلوا الإذاعة وأذاعوا «البيان الرقم ١». ونسمع اليوم نفس التعليقات التي رافقت الانقلاب الموريتاني بضرورة احترام المسار الدستوري ونفس التهديدات التي بقيت حبراً على ورق.
واتارا، الذي لم يصلح حتى الآن القصر الجمهوري في أبيدجان الذي تضرر من الحرب الأهلية، يلوح بالعصا الغليظة للانقلابيين. ويبدو عليه أنه يريد أن يمحي اللغط الذي أثارته الشوائب التي رافقت انتخابه  بتشديده على احترام الانتخابات وبالتالي يلعب دور شرطي أفريقيا الغربية.
ولكن هذا التحرك السريع والمفاجئ لواتارا يخبئ صراعاً على زعامة «أفريقيا الفرنسية» بين شاطئ العاج وبين السنغال، وهو يعود إلى عهد «أبوي الاستقلال» هوفوي بواني العاجي وليبولد سنغور السنغالي. والحقيقة تقال، نجح «الشاعر» سنغور بـ«توريث» ديموقراطية دستورية ومجتمع حديث، وفشل «الفيل» بواني في بناء دولة دستورية. في الدولتين تشابه من حيث التركيبة السكانية والدينية وتشابك اللغات المحلية والاعتماد على الموارد الطبيعية ووجود مكثف للجاليات، وخصوصاً الفرنسية واللبنانية، الفارق الوحيد والكبير هو أن داكار استطاعت أن تبقي سياستها الداخلية بعيدة عن حبال تلاعب أجهزة الأم الحنون باريس وتركت الحرية لصحافتها لتهاجم الحكومة والمستَعمِر السابق، بعكس أبيدجان التي ظل حكامها يسعون لدعم سياسي من باريس: لوران غباغبو أخذ دعم اليسار الفرنسي الاشتراكي والحسن واتار أخذ دعم اليمين الفرنسي الساركوزي.
مبروك للسنغال ولشباب السنغال الذي يشكل ٦٣ في المئة من شعبها، تابعوا عيون العرب تنظر لكم.