- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

محمد مراح… «نتاج فرنسي»

نقطة على السطر‬
بسّام الطيارة‬
رفضت الجزائر منح ترخيص لنقل جثمان محمد مراح «سفاح السكوتر» ودفنه في مسقط رأسه بلدة السواقي في ولاية المدية التي ينحدر منها والده. ‬وحسناً فعلت.‬
والدته أرادت أيضاً دفنه في الجزائر لتفادي تعرض القبر للتدنيس، بسبب قتله سبعة أشخاص هم ثلاثة جنود وثلاثة تلامذة ومدرس تعليم الدين اليهودي. والده قال إن كل الظروف باتت مهيأة لضمان دفن محمد حيث سيدفن في مقبرة يرقد فيها أجداده، ولوح أخوه البكر بأن «كل شيء حاضر لاستقباله في المطار». ‬
ولكن محمد مراح ولد في فرنسا وتربى في فرنسا وأكل في فرنسا وشرب فيها وهو «نتاج فرنسي» محض، والده ووالدته فرنسيان. مراح مثله مثل قسم كبير من الجيل الثالث من المهاجرين الذين أهملتهم الدولة الفرنسية وتركتهم على قارعة طريق الانصهار في مجتمعها. والحمد لله أن غالبية هذا القسم لا يتبع مسيرة محمد مراح الذي بعد أن تسلى بقتل أبرياء وقتل نفسه ذهب وبقيت آثار «أفعاله الشنيعة التي لا تقبل بها شرائع الدين» لترتد سلبياً على هؤلاء الفرنسيين المسلمين الذين يريدون الخروج من بؤسهم بالعمل، وليس باللعب والتسلي والسياحة في أفغانستان وتخوم باكستان واختلاسات من هنا وهناك وروديو سيارات مسروقة في ساحات الضواحي.‬
ما أن سمعت بما حصل وهوية السفاح حتى ذهب تفكيري مباشرة إلى هؤلاء الذين يشكلون غالبية سكان الضواحي، والذين مثل محمد مراح، لا يعرفون بلادهم إلا بالأسم، ولكنهم بخلاف السفاح يجهدون لمحاربة التمييز والحصول على فسحة تحت شمس فرنسا من دون التخلي عن معتقدهم ودينهم. هؤلاء الذين يستيقظون باكراً يذهبون بحثاً عن عمل أو يجهدون في الجامعات والمدارس للخروج من بؤس الضواحي الذي لم يعد يتوقف «المصعد الاجتماعي» الفرنسي في طوابقها.‬
هذا المصعد الاجتماعي الذي كان «مفخرة» فرنسا لدوره في صهر الطبقات وبسط رخاء مجتمعها، هذا المصعد معطل منذ عقدين ونيف. ومع ذلك فإن أسماء «لها أصول عربية» باتت تندس رويداً رويداً في لوائح كبار الموظفين الفرنسيين، في هامش الريبورتاجات التلفزيونية على لوحات أطباء ومحامين معلقة في مداخل الأبنية. وجوه سمراء باتت في سريات الشرطة وفي كتائب الجنود (وقد قتل مراح منهم أثنين بدم بارد برصاص أطلق من خلف ولم يكتف بالقتل بل صور عملية القتل). هؤلاء رغم غياب المصعد الاجتماعي كدوا وخرجوا من واقعهم البائس. هؤلاء استيقظ أباءهم باكراً للذهاب إلى ورشات البناء وإصلاح الطرقات ورفع القمامة من الشوارع ليسمحوا لأولادهم بالذهاب إلى المدرسة. هؤلاء استيقظت أمهاتهم باكراً للذهاب إلى المنازل والمكاتب لتنظيفها للتوفير ظروف دخول أولادهن إلى الجامعات. آباء وضعوا نصب عيونهم نجاح أولادهم بأياديهم الخشنة، أمهات يجهلن اللغة الفرنسية ومع ذلك «راقبوا واستَظْهَروا» دروس أولادهم. ‬
قصص أولاد المهاجرين كثيرة، رائعة، وتستسقي الدموع. ‬
هؤلاء هم غالبية المهاجرين. هؤلاء هم فرنسيون يعيشون دينهم الحنيف بهدوء وصمت ومن دون ضوضاء.‬
هؤلاء هم الذين أضرّت بهم جرائم «سفاح السكوتر» أو العمليات المشابهة لها.‬
تحمل الدولة الفرنسية بعض المسؤولية لغياب المصعد الاجتماعي ولصعوبة الإلتحاق به، ويحمل بعض المسؤولين السياسيين مسؤولية تأجيج استهداف المهاجرين. إلا أن والد محمد مراح الذي طلّق زوجته وترك أولاده في «عهدة الدولة الفرنسية» أيضاً مسؤول. ‬
أما الدولة الجزائرية فليست مسؤولة. فلماذا إقحامها في القصة. ولد محمد مراح في فرنسا وتربى وترعرع في فرنسا فليدفن في فرنسا. أتركوا الجزائر والمغرب العربي بعيداً عن هذه القصة حتى يترك الإعلام المهاجرين والمواطنين الفرنسيين بعيداً عن حلقات الشبهات والتشكك. ‬
ملحوظة: وري محمد مراح الثرى في قرية «كورنباريو» (Cornebarrieu) في خراج مدينة تولوز حيث ترعرع، وبخلاف ما كان يتوقعه البعض فقد تمت مراسم الدفن من دون أي حادث وبحضور خفيف جداً وعدم اهتمام من الجالية العربية والمسلمة في المنطقة.‬