- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“الكذب” في زمن الربيع

فادي أبو سعدى

لم يكن الأول من نيسان، المعروف “بكذبة نيسان”، مغرياً للكذب هذا العام، ذلك أن الشعور لدى الغالبية في العام الأخير كان بأننا نمارس الكذب ونعيشه، ويمارس علينا في معظم أيام السنة، ولم نعد بحاجة ليوم خاص لممارسة المزيد من الكذب، حتى وإن كان “الأبيض” منه، فنحن نعيش زمن “الكذب” في كل ما يجري حولنا في الوطن العربي الكبير.

كان الأول من نيسان “متعة” بالنسبة لنا عندما كنا أطفالاً، وكان “داهية” من تذكر هذا اليوم قبل غيره من الناس، وبدأ ممارسة “أكاذيبه” البيضاء على أهل البيت، والجيران، والأصدقاء، بأمور بسيطة، ومضحكة، لا تؤذي أحداً، بل تملأ الأجواء بالكثير من الابتسامات التي كادت تختفي في هذه الأيام.

بعد انطلاق ثورة الكرامة في تونس، والتي أعقبتها الثورة المصرية، بدأ الكذب ينتشر بشكل كبير، خاصة “الكذب” الإعلامي الممارس من امبراطوريات الإعلام العربي وحتى الغربي، وأصبح المواطن لا يعرف حقيقة ما يجري في أي بلد، بدءاً من ليبيا، مروراً باليمن وتونس، والبحرين، وصولاً إلى سوريا.

المزيد من الكذب اتضح في مواقف العديد من التيارات، خاصة الإسلامية منها، التي كانت دائماً ضد السلطة، وأصبحت الآن هي من تمارسها في ذات الدول، ليبدو لك الربيع بعد وهلة بأنه “الربيع الأخضر” أو الإسلامي إن جاز التعبير، ولتكتشف الكثير من الاتفاقات العجيبة بين الغرب والحركات الاسلامية التي تمارس المزيد من الكذب على شعوبها.

حتى نحن “الشعب” في فلسطين ولكثرة الكذب الذي مورس بحقنا على مدار أكثر من ستين عاماً، بخصوص دولتنا وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، بدأنا نمارس الكذب على أنفسنا، وصدقنا بأن هذا سيحدث، ومارسنا حياتنا وكأننا نعيش بدولة، رغم علمنا بأن الأرض مقطعة، وسجون الاحتلال مليئة بنا، وحواجزه تقتلنا، ونصف الوطن محجوب عنا، وعلينا واجبات من لديه دولة وأكثر!

هل تعتقدون بعد هذا، بأن العرب سيحولون لنا 100 مليون دولار شهرياً في حال أوقفت إسرائيل تحويل أموال ضرائبنا؟ وهل تصدقون بأن هناك غيرنا من يهتم لأمر الاحتلال الذي لم يبق لنا شيئاً؟ وهل تصدقون فعلاً حكايات الربيع العربي التي تحرق بلادنا؟

يبدو أننا استمتعنا في بادئ الأمر ببعض الأحلام الوردية، التي جعلتنا نصدق أنفسنا، بأن هناك “دون كيشوت” العربي، لنكتشف بعدها بأننا نمارس الكذب على أنفسنا قبل غيرنا، وها هو هذا الكذب يأخذنا نحو الهاوية وبعلمنا، بينما لا زلنا نستمتع به، ونمارسه بحرفية وإبداع… فإلى متى!