- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الزميل محمد البلوط عائد لنقل الحقائق

بسام الطيارة
يربض مستشفى «بيرسي» العسكري على هضبة تطل على باريس. بناء عصري حديث تدخله الأنوار من واجهاته الأربعة، وتحيط به حدائق غناء… ومهبط للمروحيات.  قالوا لنا إن زميلنا محمد بلوط، الذي أصيب في ليبيا على مدخل بني- وليد، قد نقل إلى هذا المشفى العسكري، حيث يُداوى الجنود الجرحى العائدون من أفغانستان ومن أفريقيا وبعض الأحيان من لبنان. عجيب هذا الاختيار لمداواة صحافي، حتى ولو أنه أصيب أثناء إداء واجبه الصحافي بتغطية «حرب تخوضها فرنسا».
لا بأس، الحمد لله أنه لم يعد في ترحونة، حيث نقل مباشرة بعد إصابته قبل أن ينقل إلى طرابلس ومنها إلى باريس. «كيف بلوط؟»، «كيف محمد؟»: ذاكرة هاتفي باتت لا تتحمل الرسائل التي يتركها كل من يحاول الاتصال ببلوط والاستفسار عن حالته. وقد علمت بعد ذلك أن عدداً لا بأس به من الزملاء المقربين امتلأت أيضاً ذاكرة هواتفهم بالاستفسارات عن الزميل المحبوب.
قبل يوم، أفادت معلومات الناطق الرسمي المساعد في وزارة الخارجية الفرنسية، أن بلوط وصل مساء الثلاثاء الماضي، وأنه سوف تُجري له عملية في اليوم التالي. رداً على استفسار هاتفي مع المستشفى، أجاب صوت بارد وجامد لا يدعو لأي مناقشة «لا يمكن زيارة الجريح بعد إجراء العملية إلا بإذن من الطبيب». بالطبع فالمستشفى عسكري والقواعد صارمة. لا بأس من محاولة الدخول.
مدخل المستشفى شبيه بكل مداخل المستشفيات في العالم المتمدن؛ رخام أبيض لمّاع تفوح منه رائحة النظافة. في الوسط غرفة زجاجية جلست وراءها سيدة شعرها أسود، بانت، من ابتسامتها، «عربية الأصول» قبل أن تنطق بالـ«بونجور»، الذي يحمل لكنة وحفاوة الشرق، ومباشرة قفز إلى ذهني اسم الزميل «محمد». ابتسمت وسألتها بلهجة قريبة من لهجتها «أين غرفة محمد؟». فكرت لثوان معدودة ثم ابتسمت، وقبل أن تنطق، «كذبت» وادعيت أني قادم من بيروت، تابعت وهي تنظر إلى دفتر كبير «أه الجريح القادم من ليبيا». «محمد+ بيروت+ اللكنتان العربيتان» فتحت باب الدخول، ورقة صغيرة كتب عليها «غرفة ٣١٢ الطابق الثاث المصعد رقم ٢».
وصلت إلى الغرفة، لا يوجد سرير، إمرأة إنكليزية جلست في الزاوية ورجل ضخم على كرسي ينظر إلي شذراً. السيدة من محطة الـ”بي بي سي”، ومظهر الرجل يفيد أنه «بودي غارد». أفهمتني المرأة بأني شخص غير مرغوب به وساعدتها على ذلك نظرات الرجل. أما الحجة: «شقيقه قادم غداً». لا تدري أننا في الشرق عند حلول مصيبة نصبح كلنا أشقاء.
رغم أنفها بقيت في الممر أنتظر زميلي وصديقي محمد بلوط. بعد ساعة وبضع عشرات من الدقائق كثر العدد، ها هي زوجته وابنته وابنة اخته. وما هي إلا دقائق حتى وصل السرير يحمل بلوط ووجوه الممرضات الأربع اللواتي يرافقن السرير المتحرك تحمل ابتسامة. نظرات تنم عن «نجاح العملية».
بعد دقائق دعي الجميع للدخول إلى الغرفة.
ها هو «البلوط» في السرير… يبتسم ويتعرف مباشرة على كل واحد منا. قبلته ما زالت تحمل الحرارة ذاتها وكلماته لم تتغير: «صديقي». قالها بسهولة تنم عن انتصاره على القناص.
دقائق مرت سريعاً وبدأ الزميل يروي ما حصل. «حقاً إنه صحافي». دقائق بعد خروجه من غرفة العمليات يعود ليسلك طريق نقل الحقيقة، يروي لنا، وهو ينظر إلى «انبوب صغير بغطاء أحمر» ويبتسم ابتسامة جميلة، قبل أن يرفع الأنبوب ويرينا الرصاصة التي انتصر عليها، من دون أن ينسى شكر «الكولونيل البروفسور بونس» الذي استخرجها وقدمها له.
الحمد لله على سلامة زميلنا. أصدقاؤه ينتظرون خروجه بعد فترة نقاهة ليستمعوا إلى “ألف قصة وقصة من ليبيا” التي غطى حربها كما لم يفعل صحافي آخر. العاملون في موقع «أخباربووم» وجميع الزملاء وأصدقاء بلوط يتمنون له شفاء عاجلاً وعودة إلى بيته. كما أن الصحافة العربية تنتظر عودة قلمه الرشيق لتنهل منه التعليق الذكي والخبر الشيق.