حسام كنفاني
كان خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة جيداً. للمرة الأولى، ربما، نجح أبو مازن في نيل الإجماع الفلسطيني. من معه ومن ضده، اتفق على أن كلمته للعالم لم تذهب إلى التفريط بأي من الحقوق الفلسطينية، رغم طلبه الاعتراف بدولة على 22% في أراضي فلسطين التاريخية.
غير أن ما بعد الخطاب سيكون شيئاً مختلفاً. فمسار الدولة الفلسطينية والطلب الذي قدمه أبو مازن لن يسير بسلاسة إلى مجلس الأمن الدولي، كما يمني الفلسطينيون أنفسهم. فهناك الكثير من المعطيات ظهرت خلال الساعات القليلة التي تلت خطاب عباس. أبرزها وأهمها على الإطلاق كان بيان اللجنة الرباعية الدولة، الذي يمكن القول إنه جاء لإحباط المسعى الفلسطيني في مهده، ولاسيما أن الإجماع الدولي على العودة إلى المفاوضات ضمّ روسيا هذه المرة، التي كانت تعارض في السابق إصدار بيان عن الرباعية يتضمن طلب اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كـ “دولة يهودية”.
غير أن البيان الجديد يدعو إلى عودة إلى التفاوض “من دون شروط مسبقة”. عبارة تعني الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، أي أن لا اشتراط للاعتراف بدولة يهودية، ولا اشتراط لوقف الاستيطان. الإجماع الدولي هذا يعني إغلاق باب مجلس الأمن أمام الدولة الفلسطينية. فرغم الاجتماع التشاوري المرتقب للمجلس الاثنين لبحث الطلب الفلسطيني، إلا أن لا شيء من الممكن أن يخرج عن المشاورات، طالما أن للدول الكبرى مساراً آخر تعدّ له، ألا وهو اجتماع تفاوضي خلال شهر واتفاق على نقاط اساسية خلال ثلاثة أشهر، ومن ثم التوصل إلى اتفاق في مهلة لا تتجاوز نهاية العام 2012.
محصلة بيان الرباعية قام على المزاوجة بين الرغبتين الأوروبية والأميركية. أوروبا، ممثلة بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، قدمت مبادرة تقوم على جدول زمني للتفاوض لا يزيد عن سنة، غير أنها أرفقتها بقبول فلسطين كدولة غير دائمة العضوية في الأمم المتحدة. أما الولايات المتحدة فهي تريد قيام الدولة “عن طريق التفاوض”. البيان أسقط الدولة غير دائمة العضوية، وتبنى الجدول الزمني والتفاوض.
بيان الرباعية هو الصيغة الوسطية الذي كان المجتمع الدولي يبحث عنها لتجنب المواجهة في مجلس الأمن. مواجهة كانت ستكون أساساً بين اميركا وإسرائيل من جهة، وأوربا من جهة، وروسيا والصين من جهة. بعد البيان، باتت كل هذه الدولة في سلة ومسار واحد هو إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات.
اللافت في المسار الجديد هو الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني، ولاسيما أن السلطة لم تخرج بإعلان رفض تام للعودة إلى التفاوض من دون شروط، كما أن الإسرائيليين، وحتى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، أعلنوا قبولاً مبدئياً ببيان الرباعية. مثل هذا القبول يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان التفاهم كان قائماً قبل تقديم الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، وما إذا كان تقديم الطلب هو عنصر احتفالي تكون نهايته العودة إلى المفاوضات. أسئلة لها ما يبررها، ولا سيما أن وزيرة الخارجية الأوروبي كاثرين آشتون أعلنت صراحة أن الفلسطينيين والإسرائيليين كانوا على علم بمحتوى البيان.
نظرية المؤامرة تطل برأسها، وطلب الدولة قد يبقى بالأدراج إلى حين انتهاء الجدول الزمني الجديد. والانتظار مجدداً سيطول.