- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فلسطين و”الخيار الانتحاري”

حسام كنفاني

لم يطل طويلاً انتظار حصيلة المشاورات العربية مع القيادة الفلسطينية حول مستقبل عملية التسوية. حصيلة ليست على ما يتمنى أي فلسطيني تابع بورصة مواقف المسؤولين والسقوف العالية التي رفعوهاـ وهم مدركون أنها في النهاية ستنهار فوق رؤوسهم. هذا ما بدا واضحاً من إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن لقاء قريب سيجمع كبير المفاوضين صائب عريقات مع إسحق مولخو، كبير مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

هي عودة للمفاوضات الاستكشافية إذن؟ سؤال يطرحه كل فلسطيني على نفسه وهو يسترجع شريط التصريحات الممتدة منذ ما قبل السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، الذي وضعه الفلسطينيون حداً لنهاية مهلة الأشهر الثلاث التي وضعتها اللجنة الرباعية للمفاوضات التمهيدية، التي أطلق عليها اسم “استكشافية”، قبل الانتقال إلى مفاوضات الوضع النهائي. الفلسطينيون التزموا مبدئياً بكلامهم ما بعد هذا التاريخ، ملوحين بسلسة من الخيارات في مواجهة التعنت الإسرائيلي. لكن من استمع إلى هذه الخيارات؟ ومن صدق أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في طريقه إلى اتخاذ خطوة استثنائية لوضع حد للمماطلة الإسرائيلية؟ ومن اقتنع أن المجتمع الدولي، والمنظومة العربية، هما في وارد تحمل تبعات أي من الخيارات هذه، مهما صغرت أو كبرت؟

الإجابة واضحة: لا أحد. وها هي الأيام تثبت ان كل ما قيل ورفع لمواجهة الرفض الإسرائيلي لكل الشروط، أو المطالب الفلسطينية، ليس له أي سند، لا من الغرب ولا من العرب. فالقضية الفلسطينية حالياً مركونة على الرف، ليست في صدارة الاهتمامات في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، ولا هي طارئة كغيرها. لسان حال العرب والغرب يقول إن “القضية الفلسطينية منتظرة منذ أكثر من 60 عاماً، ولا ضير في انتظارها عاماً أو عامين إضافيين”.

لم يخرج أحد ليعلن هذا على الملأ، غير أن المعطيات السياسية خلال الأشهر القليلة الماضية تؤكد أن هذا ما يفكر فيه الآخرون غير الفلسطينيين. لعل القمة العربية تشكّل الدليل الأكبر على مثل هذا التوجه. فغير محمود عباس والرئيس التونسي المنصف المرزوقي، لم يأت أحد على ذكر القضية الفلسطينية واستحقاقاتها والجمود الذي تعيشه مفاوضاتها، ولا الغبن الذي يرزح تحته أهلها. الكل كان منشغلاً بشيء آخر عنوانه “الثورة السورية” أو “الأزمة السورية”، فكل تسمية تنطلق من خلفيات وتفسيرات بأبعاد سياسية. حتى البيان الختامي للقمة العربية جاء على ذكر القضية لماماً، ولم تحتل الأولوية، واقتصر على الوعود والتعهدات التي شبع منها الفلسطينيون من دون أن يصل إليهم منها شيء.

الغرب أيضاً منشغل بالقضية نفسها، إضافة إلى قضايا أخرى أكثر اهمية برأيه، منها ما هو داخلي كالانتخابات في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، ومنها ما هو ذو بعد إقليمي على غرار الملف النووي الإيراني. ملفات تتقدم على أهمية الوضع الفلسطيني، الذي لم يخرج إلى حيّز الاهتمام الدولي إلا مع التلويح بنيل الاعتراف الدولي، فتسابق الجميع على المبادرة و”تطييب الخواطر”. وبما أن أبو مازن “طيب القلب”، فقد استجاب سريعاً لهذه المبادرات ورمى “خياره الاستراتيجي” في سلة الانتظار، وخاض في مراحل الاستكشاف الفاشلة، مفوتاً الفرصة التي كانت متاحة في ذلك الحين لعرض القضية في أعلى المحافل الدولية. وحتى وإن كان مصيرها الفشل، إلا أنها كانت ستضع القضية في أعناق الدول الكبرى وسلطات الاحتلال.

اليوم فشلت الخيارات الدولية والعربية، ولم تعد لفلسطين صدارة الاهتمام. فلسطين وقضيها باتا في المرتبة الثالثة أو الرابعة من اهتمامات العالم، وخيارات محمود عباس المعروضة لن تغيّر من واقع الحال شيئاً. لا بد من خيار يمكن تسميته بـ”الانتحاري” لإعادة لفت الأنظار إلى القضية الأم للمنطقة، خيار عنوانه “حل السلطة” وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل أوسلو. لكن لا يبدو أن هناك من هو في وارد الإقدام على مثل هذه الخطوة، ويفضل تقطيع الوقت بـ”الاستكشاف”.