- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مصر: هكذا استهزئ بالثورة

جمانة فرحات

قبل أكثر من عام من الآن تحول حسني مبارك، رمز الخداع والتدليس والنفاق والاستثئار في مصر إلى رئيس مخلوع، ينتظر المحاكمة في سجن “خمس نجوم”، يكلف خزينة الدولة المصرية مبالغ مالية طائلة.

التساهل مع مبارك وأسلوب محاكمته الهزلي بُرر في حينه بأن الثورة ماضية وأنه عهد مبارك ولى إلى غير رجعة. لكن الأيام أثبتت أن عهده باقٍ وراسخ، وأن التساهل في محاكمة لا ينفصل عن كونه استهتار بثورة مصر والتضحيات التي قدمت في سبيلها. وما مهزلة مرشحي الانتخابات الرئاسية المصرية سوى خير دليل على ذلك. الإسلاميون، وتحديداً جماعة الاخوان المسلمين، أثبتوا أن الصفقات التي كانت تعقد بينهم وبين نظام مبارك جعلتهم يراكمون خبرات في الخداع لم تذهب هدراً. وبعدما استأثروا بتشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة كتابة دستور جديد لمصر، متجاهلين عدم صوابية التفرد في الحكم ومخاطره، أظهر تراجعهم عن قرارهم السابق بعدم ترشيح أي من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين لمنصب الرئاسة أن الجماعة كانت تعمل بمبدأ “تمسكن لتتمكن”، وها هي اليوم تريد الاستئثار بكعكة السلطة كاملة مع ما يتطلبه الأمر من تقديم أوراق اعتماد أمام الغرب والتي تمثلت في الرسائل التطمينية الموجهة للولايات المتحدة الأميركية وحتى اسرائيل.

أما المرشح السلفي، حازم أبو أسماعيل، الذي كان يدرك مسبقاً تمتع والدته بجواز سفر أميركي، فلم يكترث للموضوع ودخل السباق الانتخابي متحدياً القانون، ومحاولاً اقناع الناس بوجود مؤامرة تستهدف النيل منه معتمداً هو الآخر على مبدأ “اكذب اكذب اكذب حتى تتحول الكذبة إلى حقيقة”. ولعل أخطر ما يمثله أداء ابو اسماعيل هو الاعتقاد الراسخ لديه أن ما بعد ثورة “٢٥ يناير” لا قيمة للقانون وامكانية التحايل عليه، وهي الصفة التي كان عهد مبارك يتميز بها.

نموذج آخر يمثله الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى. الأخير وضع وراء ظهره سريعاً السنوات الطوال التي قضاها وزيراً في حكومات مبارك وفي الجامعة العربية ممثلاً فيها الخادم الأمين لسياسات المخلوع، وها هو اليوم يقدم نفسه على أنه المرشح، الذي عانى من اضهاد وظلم مبارك، وأنه الأجدر بحكم مصر ما بعد الثورة.

وإن كان سلوك كل من سبق ذكرهم يمكن تفهمه، فإن خروج عمر سليمان، نائب الرئيس المصري السابق، ومدير استخباراته لاعلان ترشحه للانتخابات المصرية، لا يمكن وضعه إلاّ في خانة الإستهزاء بالثورة وعدم وجود قناعة لدى البعض أن ما حدث في مصر قد أفضى إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي في البلاد، وأن الأدوات التي برع النظام السابق في استخدامها في السنوات الماضية لا زالت صالحة للاستخدام اليوم.

ولعل مفاجآت السباق الرئاسي المصري تعيد الحديث إلى النقطة الأكثر محورية في مشهد الاحتجاجات العربية، والفخ الذي وقعت فيه الفئات التي خرجت ناشدةً التغيير، فاكتفت بتغيير رأس النظام كما حصل في مصر واليمن، ولم تتمكن من اقتلاع بنية النظام بتركيبته الأمنية والاستخبارية تحديداً. وهو ما أفسح في المجال أمام تسلل رموز النظام السابق، رويداً رويداً إلى المشهد السياسي من جديد، محاولين اعادة احياء النظام السابق.

ولذلك، فإن التحدي الأكثر أهمية في اللحظة الراهنة، لم يعد في الخروج إلى ميدان التحرير أو اي ساحة أخرى للاعتصام، والهتاف ضد نظام مبارك ورموزه، بل في التركيز على صناديق الاقتراع، وحشد الجماهير لتحويل أصواتها الانتخابية إلى صرخة مدوية لاجهاض محاولة الانقلاب. وهو ما يتطلب وعي القوى السياسية المصرية، وتحديداً المصنفة على أنها خارج دائرة الاخوان والعسكر، إلى خطورة المرحلة وما تقضيه من ضرورة الترفع عن الخلافات السياسية في ما بينها والتوحد خلف مرشح جدي تتوافر فيه المقومات التي تجعله يلامس نبض الشارع وهواه الإسلامي وفي الوقت نفسه يشكل قطيعة مع عهد مبارك. أما ما دون ذلك، فإن هذه القوى قبل غيرها، ستتحمل المسؤولية التاريخية عن اعادة انتاج النظام السابق، والقضاء على ما تبقى من ثورة “٢٥ يناير”.