- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

هزيمة «الساركوزيّة»

نقطة على السطر

بسّام الطيارة
كلا ليس اليسار هو الذي هزمَ  اليمين في فرنسا. وفي الحقيقة، ليس اليمين هو الذي هُزِمَ. الهزيمة أصابت فقط «الساركوزية»، أي التوجه السياسي المتطرف الذي فرضه الرئيس نيكولا ساركوزي على فرنسا بقوة محاولاً تدجينها ضمن قالب المحافظين الجدد. فرنسا انتفضت، وقبلها انتفض عدد من شرائح حزب «تجمع الأكثرية الشعبية» الحاكم. البعض وضع هذا الانتفاض في إطار «شجار الصبيان»، في إشارة إلى النزاع الدائم بين الساركوزية والشيراكية التي يمثلها  رئيس الوزراء السابق دومنيك دو فيلبان. إلا أن الواقع يتجاوز هذه الخلافات العائدة إلى شخصيات مريضة وتغوص في الـ «أنا»، فالضيق الذي اعترى عدداً من شخصيات اليمين كان بسبب احساس سياسي عميق بأن الساركوزية المنقولة «طبق أصل» عن المحافظين الجدد (البوشيون) لا تصلح لفرنسا الثورة، التي بنت نظامها على مصعد اجتماعي يستوعب أبناءه من المهاجرين في إطار جمهورية علمانية لا تنظر إلى الدين ولا لون البشرة ولا أصل المواطن.
دافع اليمين دائماً عن المزارعين الفرنسيين، وحمى الضمان الاجتماعي الفرنسي الفريد، وزايد على «الاستثنائية الثقافية» لفرنسا ولغتها، فجاء ساركوزي، الذي لا يجيد أي لغة أخرى غير الفرنسية، ليلغي عدداً لا يحصى من الخصائص التي كانت تميز فرنسا بين بقية الدول وتعطيها دوراً أكبر من حجمها، وأبرزها «النظام التربوي الفرنسي المتميز» الذي قادت سياسة ساركوزي منذ ٤ سنوات على إلغاء ٨٠ ألف وظيفة مدرس وإقفال ٤٠٠٠ صف.
لم ينتبه ساركوزي إلى أن «الناخب الكبير» الذي يقترع في انتخابات مجلس الشيوخ هو منتَخَبٌ مقربٌ من المزارعين والمثقفين والمدرسين، وأن عدداً كبيراً من هؤلاء الناخبين الكبار، بخلاف النواب، يمارس عمله اليومي في هذ المحيطات التي تتلقى نبضات المواطنين.
سياسة ساركوزي الخارجية أيضاً هبت في اتجاه معاكس لكل ما خطّ له الجنرال ديغول «أبو اليمين الفرنسي»، الذي لم يخالف أحد خطوط سياسته العامة، حتى اليسار عندما وصل إلى الحكم. الالتصاق بواشنطن والعودة إلى الحلف الأطلسي، الذي «هجره» ديغول، والالتحاق بسياسته ووضع الطاقة الفرنسية في إمرته لم يرق أيضاً إلى «اليمين الفرنسي الكلاسيكي».
يستطيع ساركوزي أن يبتسم وإلى جانبه عقالات عربية، وأن يصافح ثواراً ويتنطح على أساس أنه «بطل ربيع عربي»، إلا أن كل هذا لا يغير من صورته أمام «الشارع العربي» كمحابي أول لإسرائيل يعمل في ظل الفيلسوف برنار هنري ليفي، كل همه هو استيعاب «عربدة وتمرد الدولة العبرية» على المجتمع الدولي وتحويل طروحاته إلى «خارطة طريق فرنسية».
إن موجة خسارة مجلس الشيوخ ليست سوى غيض من فيض، واليمين الفرنسي عليه أن يفهم هذه الرسالة قبل أن تتحول الموجة إلى تسونامي. تعيش أوروبا حالياً موجة يمينية تاريخية ولكنها ليست موجة ساركوزية. يبدو اليسار خارج صورة الواقع الأوروبي، إذا لم يتحرر اليمين الفرنسي من الساركوزية، فإن فرنسا سوف تنزلق إلى اليمين المتطرف الذي ينتظر دوره لأنه الوحيد القادر على إنقاذ ساركوزي من نفسه.