- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا: ومعاني الحرب الأهلية اللبنانية

جاد عويدات

تزامن وقف إطلاق النار في سوريا بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر مع الذكرى السنوية السابعة والثلاثين لبدء الحرب اللبنانية. في هذه السطور، لا مجال للمقارنة بين هذين الحدثين، لكن لا بد من المقاربة والغوص في معاني الحروب الأهلية على ضوء ما يجري في العالم العربي بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص.

الحرب اللبنانية الضروس، خلفت وراءها الدمار والخراب وكلفت اللبنانيين مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين والمهجرين والمهاجرين، جرح لم يندمل بعد لأن المصالحة الحقيقية لم تتم بالمعنى المطلوب، لأن اتفاق الطائف صحيح أنه وضع حدا لهذه الحرب لكن تبعاتها لم تنته بعد. المصالحة الفعلية والصادقة والشاملة لم تكتمل رغم العديد من المحاولات التجميلية التي قام بها أمراء الحرب. الحرب اللبنانية بدأت بين مؤيد ومعارض للوجود الفلسطيني المسلح، بين أطراف من كافة الأحزاب الإسلامية واليسارية والقومية العربية الداعمة للقضية الفلسطينية أيا تكن انعكاسات هذا الدعم على الساحة الوطنية وبين الأحزاب اليمينة المسيحية التي سميت بالانعزالية لسعيها بالاحتفاظ بامتيازاتها ورفضها انخراط الكيان اللبناني وحيدا في مواجهة إسرائيل.

طبعا تغيرت فيما بعد معالم التحالفات وانتقلنا في لبنان من المارونية السياسية إلى فترة ما بعد الطائف والنفوذ السوري الأقرب منه إلى الاحتلال. وبعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، أُجهض الربيع اللبناني وفشل في كسر النظام الديموقراطي المريض القائم على الطائفية والتقاسم وتحول سلاح المقاومة إلى نقطة خلاف بين أبناء الوطن حتى بات هذا السلاح عبئا على الحياة السياسية ومهددا لها.

في ذكرى الحرب اللبنانية، لا بد من استذكار معاني كلمة الحرب الأهلية والطائفية، لا بد من التذكير بالقتل الممنهج على الهوية والثأر من هنا وهناك. في زمن الثورات العربية، المعارضة أو المعارضات السورية منقسمة حول تبني فكرة تسليح المعارضين، منها من رفض منذ البداية فكرة عسكرة الثورة وعلى رأسهم ميشيل كيلو الذي ذاق مرارة القمع والسجن في عهدي الأسد الأب والإبن. وهناك من دعا صراحة لتسليحها بهدف الدفاع عن النفس، متناسيا أن النظام السوري يسعى دائما لتسويق فكرة العصابات المسلحة والإرهابية لتبرير قصفه بعض المناطق دون أن ننسى ما فعله التدخل الأجنبي في ليبيا.

الصحافي المخضرم غسان تويني وصّف الحرب اللبنانية، ومن بعده الرئيس اللبناني الراحل الياس الهراوي كان دائم الترداد للعبارة الشهيرة، إنها حروب الآخرين على أرض لبنان… وهكذا ستصبح تصفية الحسابات الدولية مع النظام السوري حربا للآخرين في دمشق وحمص وحلب… صحيح أن المعارضة السورية تعيش تحت وطأة شبح الحرب الأهلية لكن ما الذي يمنعها من اتخاذ قرارات شجاعة تكون فيها صاحبة المبادرة والقرار بحرية. ألا يمكن للمجلس الوطني السوري القبول بالتفاوض مع النظام السوري؟ لن تكون هيلاري كلينتون مختلفة عن هنري كسينجر وأفكاره وبواخره الشيطانية التي أججت الحرب. ولن يكون أوباما وساركوزي وغيرهما أكثر حرصا من السوريين والعالم العربي على مصالح بلديهما. إن خطة وقف إطلاق النار وبالرغم من هشاشتها, فقد أوجدت توازنا جديدا بإمكان المعارضة السورية الاستفادة منه سياسيا.

خطوة جريئة وشجاعة بالتحول للمعارضة من داخل المؤسسات الدستورية التي وعد بها الأسد ولتكن تلك الخطوة من قبل المعارضة السورية خطوة شجاعة وجبارة في المسامحة والغفران. الانتخابات التشريعية القادمة في سوريا والمقررة في أيار المقبل قد تكون الفرصة الأخيرة المتاحة لتفادي الفوضى والحرب الأهلية، كما استطاعت الدول الكبرى فرض وقف لإطلاق النار بوساطة كوفي أنان، بإمكان المجتمع الدولي لو يريد فعلا حماية الشعب السوري من الحروب أن يفرض وجود مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات وعندها فلتقل الصناديق كلمتها.

نعم إشراف دولي على انتخابات حرة ونزيهة ربما لن يكون بالحل المثالي للسوريين مع بقاء بشار الاسد في سدة الحكم، ولكن ألا يوفر “أبغض الحلال” عليهم ما تكبده اللبنانيون خلال عشرات السنين؟