- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا: تآمر الداخل على الداخل

زاوية حادّة

حسام كنفاني
لا يمر يوم من دون أن يخرج علينا المسؤولون السوريون بنظريات المؤامرة الخارجية، وبالسعي الدولي إلى ضرب موقع سوريا التاريخي والجغرافي والأيديولوجي والسوسيولوجي وما إلى ذلك من أدوار من الممكن ان تلعبها دمشق في المنطقة، سلباً أو إيجاباً.
لنسلّم جدلاً بأن المؤامرة الخارجية موجودة، وهو أمر لا يمكن استبعاده. لكن السؤال يكمن في من شرّع الأبواب لهذه المؤامرة للتغلغل إلى داخل الأراضي السورية والانتشار في مختلف المناطق، والوصول إلى حدود الفتنة الطائفية والحرب الأهلية والتدخل الخارجي، وكل التحذيرات التي يمكن أن تخطر على بال.
مراجعة صغيرة للمواقف قد تشرح الموقف بشكل أفضل. فمع انطلاق الربيع العربي وبدء سقوط الأنظمة، كان المسؤولون في سوريا، وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد، يؤكدون أن شرارة الاحتجاجات لا يمكن ان تصل إلى بلاد الشام، وان الوضع هناك مختلف تماماً عن غيره من المناطق، على اعتبار أن “الالتفاف الشعبي حول خيارات القيادة السياسية غير موجودة في أماكن أخرى”، هذا ما كان يقوله أصحاب نظرية ان الانتفاضات الشعبية هي ضد الأنظمة المهادنة للولايات المتحدة، أما غيرها فهي معصومة عن خطر الزوال.
ووفق هذه النظريات، نام أركان النظام السوري على حرير وهم على يقين بأن لا حركة احتجاجية مرتقبة على اراضيهم، وبالتالي لا داعي لاي شكل من اشكال الإصلاح، ولو الصوري الاستيعابي لأي تحرّك محتمل. مرّت الايام لتثبت سقوط النظرية، التي لم تقم على أي أساس واقعي. خرجت التظاهرة الأولى أمام سوق الحميدية، لتتبعها الأحداث في درعا، التي شكلت الشرارة الأولى للانتفاضة السورية العارمة، ولتعطي إشارة لا تخطئها العين بأن النظام في سوريا ليس بمنأى عن مصير الديكتاتوريات العربية الأخرى.
لكن الإشارة لم يلتقطها النظام، أو التقطها وأهملها عن عمد، فجاء خطاب الرئيس السوري الأول أمام مجلس الشعب ليصب الزيت على النار، ولاسيما أنه سُبق بسلسلة تسريبات عن الإصلاحات المرتقبة، لكنه جاء فارغاً إلا من ضحكات وتصفيقات استفزت اولياء الدم الذي كان يسيل في درعا.
ومع الأيام، وفي ظل الحملات الأمنية المتواصلة، بقي النظام مصرّاً على رفضه للإصلاح الحقيقي؛ لم يقتص من المسؤولين الأساسيين عن أحداث درعا، وفي مقدمتهم عاطف نجيب، ولم يعمد إلى إطلاق المعتقلين السياسيين أو إعادة الأراضي المصادرة إلى أهاليها، والأهم من ذلك بقي 90 في المئة من الثروة السورية في يد 7 في المئة من أفراد الشعب، وبالتحديد المقرّبين جداً من النظام.
وإلى اليوم لا تزال هذه المطالب الأساسية من دون تحقيق، رغم الإجراءات الإصلاحية التجميلية التي قام بها النظام. إصلاحات لم تصب بعد لبّ الأزمة ذات الأبعاد السياسية والحقوقية والاقتصادية والمعيشية.
معطيات تؤكّد نظرية المؤامرة. لكنها مؤامرة ذات أبعاد في الداخل فتحت الأبواب واسعة امام تلك الآتية من الخارج. ومواجهة الخارج لن تكون بلا معالجة جذرية لأزمة الداخل، إذا لم يكن قد فات الأوان.