- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فشل «الربيع العربي» يدفع نحو الثورة

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

في مثل هذا اليوم  من عام ١٨٥٩ (٢٥ نيسان/أبريل) بدأت أعمال «حفر» قناة السويس. وفي مثل هذا اليوم من عام ١٣٢٨ حكم الملك الفرنسي فيليب السادس على «أمين صندوق المملكة»، وهو لقب وزير المال السابق، بالشنق بتهمة «الإثراء غير المشروع”.

وكان أول عمل يقوم به ملوك فرنسا عند استلام الحكم «التدقيق في الحسابات»، وكانت هذه العملية تبدأ بتقييم ثروة أمين الصندوق قبل استلام مركزه قياساً إلى حين لحظة التسلم والتسليم، وفي حال تبين أن «الفارق كبير» يحكم عليه بالإعدام وتصادر ثروته.

$$$

بعد أربع سنوات من انطلاق أعمال شق القناة المصرية، بدأ الخديوي اسماعيل، حاكم مصر، بالاستدانة «على حساب أرباح القناة» وبلغ إجمالي الديون ما يقارب الـ ٥٤ مليون جنيه استرليني بفوائد تتراوح بين الـ١٢ والـ ٢٧ في المئة، بحيث أن قيمة سدادها ارتفعت إلى حوالي ٩٦ مليون جنيه نصفها ذهب إلى جيوب حاشية الحاكم، ما جلب الخراب لمصر وقادت عملية إفلاس الدولة إلى احتلال مصر من قبل الإنكليز.

$$$

في عام ٢٠٠٩ كانت ديون لبنان، الدولة العربية التي لم يزرها «الربيع العربي»، ٤٧ مليار دولار أي ١٨٠ في المئة من ناتجه القومي، حسب تصريح لوزير الاقتصاد اللبناني آنذاك محمد الصفدي. بعد سنة وبضعة أشهر، يقول الصفدي، بعدما انتقل إلى منصب وزير المال في حكومة جديدة، إن «دين لبنان كبير وكبير جداً»، ويقدره بنحو ٦٠ مليار دولار في مطلع هذه السنة.

ثم يبادر الوزير إلى إبداء نصيحة بضرورة تنشيط الاقتصاد الوطني عبر «استثمارات في البنى التحتية». وقد وافق صندوق النقد الدولي على توصيف الدين اللبناني، إذ وصفه بآخر تقرير له بأنه «من الأعلى في العالم» قياساً إلى حجم اقتصاده. إلا أنه لا يوافق الوزير ولا الحكومة على وصفات معالجة الوضع، فهو ينصح بـ «فرض ضرائب غير مباشرة وإلغاء قرار تخفيض الضرائب على المحروقات وعدم صرف أموال على شركة الكهرباء» أي عكس ما يذهب إليه الحكومة.

بالطبع لا مجال لطرح سؤال لمعرفة من المصيب ومن المخطئ؟ فالحكومة لديها حسابات «محلية» وصندوق النقد لديه حسابات باردة هدفها الحفاظ على «قدرة سداد الدين»، وخصوصاً تمهيداً لقروض جديدة.

$$$

نحن هنا نتحدث عن لبنان فقط أحد أصغر اقتصاديات العالم العربي.  ديون العرب «سر من أسرار الكون» ولكن قيمتها تتقاطع بحدود ٨٠٠ إلى ١٠٠٠ مليار دولار بين الديون الخارجية والديون الداخلية تدفع ما بين ٧ و ١٠ في المئة سنوياً لخدمتها، بينما تبلغ قيمة «مدخرات العرب في الخارج» حوالي الـ ٣١٠٠ مليار دولار.

قيمة الناتج المحلي للعرب مجتمعين أيضاً سر لا يباح، فمنذ أن نشر مجلس التنمية التابع للأمم المتحدة تقريراً عام ٢٠٠٣ يقول فيه «الناتج المحلي لكافة الدول العربية لا يتجاوز ناتج اسبانيا»، تحرك «العنفوان العربي» وباتت الأرقام تنشر متفرقة وبضبابية لا تفوقها سوى ضبابية محاربة الفاسد. ذلك أن الفساد مرتبط ارتباطاً وطيداً بالناتج المحلي العربي فهو «يقضم» ثلثه حسب كل الدراسات التي صدرت… قبل «الربيع العربي”.

$$$

هدف هذه الكلمات بسيط وواضح: إن فساد «الحكام» يسهل عملية «نصب» قسم كبير من الثروات العرب. هذه الثروات تذهب إلى الخارج لتعود إلى المنطقة بشكل قروض تلتهم مستقبل الأجيال المقبلة بسبب فوائد يتقاسمها الفاسدون مع المصارف العالمية، تماماً كما كان الحال مع الخديوي.

مطلوب مكافحة الفساد في المنطقة ومحاربة الجرائم المصرفية.  ولكن كيف والفساد يتفشى بسبب «غياب الإرادة السياسية لدى السلطة الحاكمة والطبقة السياسية» وضعف أجهزة الرقابة والقمع المباشر وغير المباشر؟

السبيل الوحيد والناجع هو ثورة تفتش جيوب الأثرياء وتسأل كل منهم: «من أي لك هذا؟”.

إذا جاء الجواب غير مرض وغير مقنع، نرسله إلى الملك فيليب السادس.

$$$

لا يمكن القبول بوجود ٧٠ مليون عربي يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم.  هذا الواقع يستجلب التطرف بكافة أشكاله من تطرف ديني إلى تطرف مذهبي مروراً بالتطرفين «المناطقي والإقليمي»، وهذا التطرف المتنوع يتربص بنا جميعاً ليعيدنا قروناً إلى الوراء.

الآن وقد «فشل الربيع العربي»، الأفضل لنا ثورة جديدة تحاكي طريقة حكم فيليب السادس عوضاً عن عودة إلى ما قبل الجاهلية.