- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ألغاز الغاز

زاوية حادّة

حسام كنفاني

أخيراً اتخذت الشركة المصرية المصدرة للغاز إلى إسرائيل قراراً بوقف التصدير. القرار لا شك طال انتظاره طويلاً بالنسبة إلى الشعب المصري، منذ عهد الرئيس السابق حسني مبارك. ومع نجاح الثورة في خلع مبارك تعالت الأصوات بوقف التصدير إلى دولة الاحتلال، وهو أمر لم يتم ولم يقم به المجلس العسكري الحاكم، وهو ما حفّز على تنفيذ هجمات متعددة، مجهولة المصدر، على خط انابيب الغاز.

قصة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل لطالما كانت لغزاً صعباً على الحل، ولا سيما لجهة ورودها في اتفاقية السلام الموقع بين مصر وإسرائيل، وهو ما ينفيه الكثير من الخبراء القانونيين، مشيرين إلى صفقات مشبوهة وراء مثل هذا التصدير. لغز آخر يأتي في سعر التصدير، والذي لا إعلان رسمياً له، إلا ان غالبية التقديرات تشير إلى 75 سنتاً للمليون وحدة حرارية، في الوقت الذي تُقدَّر فيه قيمة المليون وحدة حرارية طبقاً للأسعار العالمية بما بين 10 و15 دولاراً.

اللغز الجديد هو في قرار وقف التصدير، وما إذا كان جاء على خلفية سياسية أو لأسباب اقتصادية بحتة، كما تحاول إسرائيل الترويج. الإجابة غير واضحة بالمطلق، لكن من الممكن قراءتها بين سطور الوقائع التي تسير الساحة المصرية على عهدها في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية التي تستحوذ حالياً على اهتمام الشارع المصري.

التصريجات المصرية الرسمية تترك الأمور عائمة بين السياسة والاقتصاد، وهو ما أوحاه كلام وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فائزة أبو النجا، التي أشارت إلى إمكان استئناف ضخ الغاز شرط إعادة التفاوض لتوقيع عقد جديد لتصدير بأسعار جديدة. كلام ترافق مع ما يمكن اعتبارها تهديدات أطلقها رئيس المجلس العسكري، المشير محمد حسين طنطاوي، لإسرائيل، حين توعد بالرد القاسي على أي دولة تعتدي على حدود مصر، في ردّ مبطَّن على ما نُقل عن وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان، بشأن ضرورة «الاستعداد لكل الاحتمالات» مع مصر.

بين كلام طنطاوي وأبو النجا يمكن تقديم قراءة بسيطة لواقع وقف الغاز، الذي لا يبدو منفصلاً عن المسببات الاقتصادية والسياسية في آن. ويمكن القول إن المجلس العسكري في القاهرة نجح في اعتماد المبررات الاقتصادية، الناجمة عن تأخر الشركة المستوردة في الدفع، لتسجيل نقاط سياسية، في الداخل خصوصاً، ولا سيما ان القرار يأتي بعد المليونيتين الأخيرتين ضد “حكم العسكر” في مصر. نقاط من الممكن القول إنها مرحلية، وهو ما يدركه المجلس العسكري جيداً، في ظل ما هو متوقع من ضغوط اميركية وتلويح بالمعونات، تماماً كما حدث في قضية المنظمات المتهمة بالتمويل الخارجي.

المجلس العسكري المصري كسب نقاطاً شعبية، هذا واقع لا شك فيه، والغاز المصري حالياً مقطوع عن إسرائيل، وهو أمر بات واقعاً. لكن ماذا عن الغد؟ هذا أيضاَ من الألغاز.