جاد عويدات
تتوجه الأنظار في فرنسا الى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ساركوزي يواجه تخالفاً واسعاً يضم كافة الاحزاب اليسارية وحزب الخضر اضافة الى الحزب الاشتراكي، هذه الجبهة العريضة دعت صراحة لإسقاط ساركوزي في صناديق الاقتراع في حين يسعى هو لكسب أصوات اليمين المتطرف، بدون ان يتلقى دعماً واضحاً من مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية، الى مناصريها للتصويت لخصمها اليميني. نيكولا ساركوزي أول رئيس فرنسي مرشح يسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية يحل في المركز الثاني خلف خصمه الاشتراكي بفارق اقل من نقطتين.
كل شيء وارد في هذه الانتخابات، لا يزال لدى ساركوزي المزيد من هامش المناورة والحنكة والدهاء لتحقيق الفوز، ولان مزاج الناخب الفرنسي يبقى كثير التقلب. فساركوزي ينتظر بفارغ الصبر المناظرة التلفزيونية الاربعاء المقبل في الثاني من ايار مع منافسه فرانسوا هولاند، ليثبت للفرنسيين ضعف خصمه في عدة مجالات، خصوصا عدم توليه لأي منصب وزاري في مسيرته السياسية وعدم خبرته على صعيد السياسة الخارجية على اعتبار ان لساركوزي باعاً طويلاً في هذا المجال يعاونه في ذلك أحد صقور الديبلوماسية الفرنسية الآن جوبيه.
القراءة في السياسة الخارجية لفرنسا بالنسبة للمحللين تحتمل الكثير من التأويل. لكن بنظر ساركوزي، فهي من نقاط القوة والمفصلية التي يعول عليها ليتغلب على غريمه وليبرهن للفرنسيين بانه الأقدر على تمثيل فرنسا في المحافل الدولية. واما بالنسبة للكثير من الفرنسيين فالسياسية الخارجية لفرنسا في عهد ساركوزي كانت في أوجها، ربما يكون للإعلام الفرنسي التأثير على المواطن الفرنسي على هذا الصعيد. فان التدخل العسكري في ليبيا يعتبر انتصاراً لساركوزي لانه انقذ الليبيين في بنغازي من مجازر العقيد معمر القذافي المحتملة، وهو ما برر التدخل الغربي في ليبيا. وهذا بالطبع ما روج له الاعلام الفرنسي ليصبح ساركوزي بذلك الرئيس الذي انقذ الالاف من الارواح .
وبشكل عام، إن عدنا الى ما قبل ما يعرف بـ”الربيع العربي”، انتهج ساركوزي سياسة الدفاع الممنهج عن أمن اسرائيل الذي هو فوق كل اعتبار ولم يخف صداقته المتينة للدولة العبرية التي هي “معجزة الديموقراطية في الشرق الاوسط”، ولكنه أراد ايضاً اعتماد سياسة توسعية ومنفتحة، فكان مشروعه الذي ولد ميتاً، الاتحاد من اجل المتوسط، واتبع من اجل ذلك سياسة الانفتاح على سوريا المعزولة من قبل سلفه شيراك واستقبل العقيد الليبي في الاليزيه ودعا الرئيس السوري بشار الاسد للمشاركة في حضور العيد الوطني الفرنسي من على منصة الشانزيليزيه.
السياسة الخارجية لساركوزي هي عبارة عن سياسة فوضوية وعشوائية في اتخاذ القرارات. لقد أراد الرئيس الفرنسي ايجاد سياسة خارجية على قياسه (وهو قصير القامة) وأراد الظهور بمظهر البطل دائماً، وصار الرئيس المهيمن في كافة المجالات الاوروبية والدولية، كما يحلو له العمل على صعيد السياسة المحلية، ولكنه لم يقدم أية حلول خصوصاً بشان القضية الفلسطينية. ومؤخراً أصر على محاكمة حليفته في حلف شمال الأطلسي “الناتو” وفي لجان أصدقاء ليبيا وسوريا اي تركيا من خلال العمل على استصدار قرار تجريم إنكار إبادة الأرمن وهو قرار محض انتخابي وسياسي. بالطبع لم يلق هذا القانون آذانا صاغية لدى مجلس الشيوخ الفرنسي ولكنه تسبب بتوتر للعلاقات بين تركيا وفرنسا. ولا ننسى التدخل العسكري الأحادي الجانب للجيش الفرنسي في ساحل العاج الذي أدى الى الإطاحة بالرئيس لوران غباغبو والإتيان بالحسن واتارا رغم صعوبة الجزم بأحقية الفائز منهما في الانتخابات.
صباح السابع من أيار/ مايو، ستشهد فرنسا حقبة جديدة مع ولاية رئاسية جديدة اما لساركوزي او لرئيس جديد هو فرانسوا هولاند، وفي حال خسر ساركوزي الانتخابات الرئاسية الفرنسية امام خصمه الاشتراكي بالتأكيد سيخرج من الرئاسة بوصفه الرئيس الفرنسي الذي طبع سياسة بلاده الخارجية بالكثير من السياسات الهجومية والمزايدات والتهديد والوعيد. وسيعود الآن جوبيه الى رئاسة بلدية مدينة بورود ليهتم بطرقها ونبيذها وكلابها ولن يعود بعدها الآن جوبيه صديقا للشعب السوري.