- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

المال والطائفة في «السحابة» الافتراضيّة

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

سؤال: كم تملك من الفلوس في المصرف الفلاني؟
جواب: آه كذا ألف. أو كذا مليون، أو بضع مئات أو دين بسيط… إلخ
السائل يقهقه عالياً: ها! ها! ها! أنت لا تملك شيئاً أو لست مديناً بمليم… هذه كلها ثروات أو ديون دفترية.
أنت لا تملك شيئاً سوى وريقات من المصرف يقول إنك دائن أو مدين. إنه الاقتصاد الافتراضي الذي بات محرك الاقتصاد العالمي. فقط الحجر الذي تسكن داخله أو الأرض التي تزرعها قد تكون لك إذا عرفت كيف تدافع عنها، فهذه «الأموال غير المنقولة» مثلها مثل «الأموال المنقولة» كالساعة أو الحلي أو الخاتم الذهبي وحتى ما تحمله من نقود، هي ملكك فقط إذا استطعت الدفاع عنها.
أنت تسير في الشارع وتقابل شريراً يهددك ويطلب منك محفظتك. ماذا تفعل؟ إما أن تكون أقوى منه وترده أو تنصاع وتعطيه المحفظة. كذلك الأمر بالنسبة للمنزل والأرض والسيارة وكل ثمين.
عليك الاعتماد على نفسك للأموال المنقولة وغير المنقولة.
تطور العالم وتطور معه النظام المصرفي وباتت بطاقات الاعتماد تقف حائلاً بين الشرير وثروتك وهي ليست فقط علامة ضعف نظام الأمن والأمان بل هي ملهاة حتى لا تنتبه إلى أنك بت لا تملك شيئاً سوى إشعارات من مصرف يقول لك أنت دائن أو مدين.
وإذا طلبت أي خدمة من أي مصرف يحدثك بـ«التوطين» ــ ليس توطين الفلسطينين ــ بل معاشك ورواتبك وكافة مصاريفك. يريدك عارياً فقط تغطي إشعاراته عورة إفلاسك. من يقول لك إنك مالك لهذه الأرض؟ هذه الافتراضية في الملكية (فالناس لا تصدق بأن الملك لله) تدفع إلى العنف. وتدفع إلى التطرف في كل مجال وفي كل ميدان. ولكنك مصمم على المقاومة.
تريد أن تنسخ هذه الإشعارات وتضعها في مأمن لتطالب يوماً ما بما «تعتقد أنك تملكه». إلينا الحاسوب أو الكومبيوتر (الإشارة إلى هذه الآلة هي حسب انتماءك المناطقي والطائفي والمذهبي وحتى في بعض الأحيان حسب ألوان ملبسك)، نضع فيه كل ما عز علينا من أفكار أو منسوخات أو كتب رقمية أو صور أحباء و… شهادات في بعض الأحيان.
سؤال: أنت تعتقد أن هذه الأشياء الغالية والعزيزة هي في الحاسوب وهي لك؟
جواب: أه نعم أنا وضعتها وحفظتها (قد تقول «سيفتها» من save الإنكليزية أو «خزنتها» ولكن ذلك حسب ألوان ملبسك وطائفتك) هذا حاسوبي وهي في ذاكرته (قد تقول …memory…).
السائل يقهقه عالياً: ها! ها! ها! أنت حفظت ولكنك لا تملك شيئاً من كل ما تعتقد هو لك…
حاسوب «كان يا مكان» في طريقه للاختفاء يا عزيزي. ذاكرة ما تحمله اليوم من معدات وآلات ليست بين يديك إنها في عالم الغيوم… نعم فإننا بعد عصر المحاسبة الدفترية دخلنا عصر الغيوم والسحب (cloud).
لا تضحك.
أنت تستعمل اليوم الحوسبة السحابية (cloud computing) من دون أن تدري (حسب ألوان ملبسك وطائفتك وأشياء عديدة أخرى قد تدري أو لا تدري).
أنت تضحك؟
ها! ها! ها!
أموالك باتت سحب في عالم افتراضي. تاريخك أيضاً مكتوب في هذا العالم الافتراضي. أنت لا يمكنك أن تثبت من أنت في حال «لعب» أحدهم (من؟) في هذه السحابة التي لا تصل لها (حسب ألوان ملبسك وطائفتك وأشياء عديدة أخرى قد تصل لها أو لا تصل). هويتك باتت محفوظة في هذا العالم السحابي: من أنت واسمك وكنيتك ولونك بشرتك واسم أبوك وأمك وعنوانك ورقم الضمان… كل هذه المعلومات باتت «مخزنة» على سحابة في مكان ما.
أنت تضحك؟
ها! ها! ها!
تصور أنك واقف على حاجز قد يكون في سوريا أو بين اليمن الشمالي أو الجنوبي أو على حدود السودانين أو على مطار في الإمارات أو على مدخل مدينة سعودية أو المنطقة الخضراء في بغداد أو فرضاً في طائرة إير فرانس ويسألك سائل: «ما هي طائفتك ومذهبك؟» كيف تجيب؟
أنت تضحك؟
ها! ها! ها!
تقول اسأل السحابة؟
نصيحتي لك آتية من بيروت «خلي مخزنك عبك»، ضع فيه أموالك ولكن أيضاً ضع فيه طائفتك ومذهبك وكل هذه الخصوصيات. لا تظهرها للعلن. دعك من السحب.