- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“ثأر” النروجيين

جمانة فرحات
وقف السفاح النروجي، اندرس برينج بريفيك، أمام المحكمة متحدثاً باسهاب عن المجرزة التي ارتكبها بحق 77 شخصاً. أكد أنه كان ينوي أن يقتل أكثر. تحدث عن اسباب فعلته فيما كان أقارب الضحايا يستمعون إليه والغضب يمتلكهم. وهو غضب لم يترددوا لحظة في التعبير عنه لكنهم سجلوا مفارقتين. عند حديث البعض عن تأييده لنيل بريفيك حكم الاعدام، وخصوصاً أن الأخير أكد انه لن يتردد بتكرار فعلته في حال سنحت له الظروف، وجد بريفيك من يدافع عن حقه في الحياة من أقارب الضحايا. فتحدث بعضهم عن القانون النروجي وما يتضمنه من عقوبة تنص على السجن الطويل وأن هذه العقوبة كفيلة لاعادة الاعتبار للضحايا وعائلاتهم.
أما المفارقة الثانية، فهي الوسيلة التي اختارها اقارب الضحايا والمتضامنون معهم لالحاق عقاب معنوي ببريفيك. فخرجوا إلى احد الشوارع القريبة من مقر محاكمة السفاح وأخذوا يرددون بصوتٍ عال أغنية “اطفال قوس قزح” للمطرب ليليبجورن نيلسن. وهي أغنية تدعو إلى السلام والاخاء، وصفها بريفيك أثناء محاكمته بأنها أنشودة ماركسية تهدف الى غسل عقول الاطفال.
هكذا قدم النروجيون درساً اضافياً في الاحتجاج وحتى “الثأر” الحضاري، لا بد من التوقف عنده ومحاولة الاستفادة منه في الدول العربية التي لا زالت تعيش في متاهات الثأر القبلية- الطائفية وحتى المذهبية. فبين الغناء والرصاص وحتى السكين مسافات شاسعة لا يمكن جسرها إلاّ من خلال تعزيز قيم الحياة وتعلم المحافظة عليها، جنباً إلى جنب مع تعزيز ثقة المواطنين بالقانون وقدرته على أن يكون الممثل الوحيد عن حقوقهم.
وهي حقوق يكاد المواطن العربي يكفر بها بعدما تحولت في بلدانٍ مثل لبنان إلى منّة يقدمها له زعماء الطوائف متى ما أرادوا ويحرمونه منها أيضاً متى ما اتفقوا في ما بينهم. وهو وضع لا يختلف كثيراً عن الدول المحيطة بلبنان، فمن سوريا إلى العراق واليمن ومصر وتونس والدول الخليجية تحول المواطن إلى متسول لحقوقه، فغيبت الدولة من خياراته وبات يحتكم إلى الثأر لاستراد حقوقه حيناً والاعتداء على حقوق الآخرين في معظم الأحيان.