- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سلامة كيلة: النضال باللحم الحيّ

معمر عطوي

لم يكن ينقص سجل النظام السوري من نقاط سوداء سوى اعتقال المناضل الماركسي الفلسطيني سلامة كيلة، رغم دعوته للنضال السلمي المدني ورفضه لتسلح الثورة والتدخلات الخارجية في الأزمة السورية.

فاعتقال هذا الرجل، الذي ذاق آلام الاعتقال لمدة ثمانية أعوام في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، يمثل قمة الغباء الذي طالما اشتهر به النظام السوري في تعاطيه مع حركات الاحتجاج بعدم تمييزه بين “الإرهاب” والمطالب الشعبية المحقّة.

سلامة كيلة علامة فارقة ليس فقط في المشهد الثقافي السوري، بل على طول الخريطة العربيّة التي جسّدها بانتماءاته الجغرافية المتعددة والديموغرافية التي تحتضن كافة المهمشين والمسحوقين والكادحين من المحيط الى الخليج.

فالسلطات السوريّة، التي تتغنى بالممانعة والمقاومة وتتذرع بغيرتها على قضية فلسطين، اعتقلت ابن مدينة بيرزيت الفلسطينية المقاوم بامتياز منذ عقود، ولا سيما انه كان أحد المشاركين في المقاومة الفلسطينية (ولد كيلة في بيرزيت عام 1955).

وهو أيضاً إبن بغداد، التي درس في اهم جامعاتها ونال البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1979، فيما عاش في دمشق معتبراً أنها ستكون حاضنة لكل من يحلم بالعودة الى فلسطين على غراره، كذلك حصل على جنسية الأردن، المملكة الواقعة شرقي النهر على خريطة فلسطين التاريخية.

غباء النظام السوري لا يتحدد بنقطة واحدة في قضية اعتقال كيلة، فهو قد مارس الغباء في قضية واحدة على أكثر من صعيد، أولاً طريقة الاعتقال التي تشبه عمليات زوار الفجر بكل ما يصاحبها من ترهيب وإكراه، حيث أغار عناصر جهاز الأمن الجوي (من غير المفهوم ما علاقة كيلة بالحرب الجوية) على منزل المفكر الفلسطيني واقتادوه نحو السجن. النقطة الثانية هي أن صاحب كتاب “نقد الحزب” مصاب بالسرطان من العام 2001، فلم يعر النظام الذي يتحدث عن مؤامرة أي اهتمام لصحة الرجل الذي يعيش على الأمل.

الأمر الثالث، الذي يثبت غباء الأجهزة الأمنية السورية، هو أن كيلة معارض سلمي غير داعية للعنف، وغير داعية لتدخل أجنبي، إنما هو شخص مخلص لأفكاره الماركسية في وقوفه الى جانب الطبقات العاملة والفلاحية في حربها ضد طبقة برجوازية تتسلّح بشعار الممانعة من أجل تغطية سرقاتها لثروات البلاد وحقوق العباد وتمارس الاستبداد بأبشع صوره.

الأمر الرابع، هو أن هذا الكاتب الذي أنتج خلال سني حياته أكثر من عشرة كتب معظمها في نقد التنظيم والآيديولوجيا والماركسية والعروبة واليسار السوري والعربي، كان صانع أفكار وليس زعيم حزب أو ناشطاً في تيار معين، بل كان تياره ممتداً على طول الخريطة العربية، حبراً يتحول أفكاراً على صفحات الدوريات والمجلات الفكرية الرائدة وفي صفحات الرأي في العديد من الصحف العربية، لهذا ناضل كيلة بلحمه الحي.

لقد دفع صاحب “نقد الماركسية الرائجة” ثمن موضوعيته ومعارضته البناءة التي أرادت أن تضع الأمور في نصابها، فكان نصيبه زنزانة بدلاً من مستشفى، وضابطاً يحمل السياط بدلاً من طبيب يمنحه أملاً جديداً بالحياة.