- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا: مهزلة الانتخابات

زاوية حادّة

حسام كنفاني

لو لم تكن الأوضاع السورية على حالها، لكان المشهد الانتخابي المرتقب الاثنين عرساً ديموقراطياً حقيقياً، في ظل ما بات يعرف بـ«التعددية الحزبية»، وإن هي تعددية تحت سقف النظام. قبل سنة ونيّف من الان، لم يكن السوريون يحلمون بأكثر من ذلك، بل ربما كانوا سيرضون بأقل من هذا بكثير. لكن ان تأتي مثل هذه الانتخابات في ظل الظروف التي يعيشها الشعب السوري، وبعد أكثر من 14 شهراً من المعاناة، فإن أقل ما يقال فيها إنها “مهزلة”.

“مهزلة” ذات وجهين أساسيّين، أولهما له علاقة بالبعد السياسي للانتخابات، التي من المفترض أن تشكل وجه سوريا الجديدة التعديديّة. لكنها اليوم ستعيد انتاج الوجه القديم مع بعض الرتوش التجميلية التي لن تساهم في إخفاء الأزمة التي تعيشها البلاد، حتى وإن خرج المسؤولون بعد فترة ليعلنوا أن الأوضاع على طبيعتها. فمن المفترض أن يدرك المسؤولون ان العودة إلى الوراء باتت مستحيلة مهما قيل عن «المؤامرة» والانتصار عليها.

الانتخابات اليوم هي محاولة لمثل هذه العودة التي لن تؤدي إلا أن تفاقم الخلاف والفرز في المجتمع السوري، وإبقاء الوضع على ما هو عليه إلى فترة طويلة من الزمن نسبياً، ولا سيما أن الانتخاب يتجاوز بند الحوار الموجود في خطة المبعوث الدولي كوفي أنان، وبالتالي يتجاوز مكوّناً أساسياً من المجتمع السوري الذي اعلن مقاطعته لعمليات الاقتراع.

وفي حال تناسينا مثل هذه المعطيات السياسية الأساسية ذات الأثر البعيد على الداخل السوري، يبقى الوجه الأمني لـ”المهزلة الانتخابية”. ففي دولة تعيش على وقع السقوط اليومي لعشرات القتلى ووجود مناطق خارج السيطرة، باعتراف النظام، كيف من الممكن إجراء عمليات اقتراع شاملة تكون أساسية في مسار “الإصلاح” الموعود؟ في أي دولة طبيعية، تعيش الوضع الحالي في سوريا، او أقل منه بكثير، تكون الإجابة في الغالب تأجيل الانتخابات إلى حين استتباب الأوضاع. الظروف الحالية، وبصرف النظر عن المعطيات السياسية وقرارات المقاطعة الاختيارية، ستفرض على فئات كبيرة مقاطعة إجبارية، وبالتالي تبقي فئات إضافية خارج “التجربة الديموقراطية”.

لكن من يدير العملية في سوريا لا يلقي بالاً لمثل هذه الظروف، ولا لمثل هذه المعطيات، ويؤكّد المضيّ في ما يسميه “إصلاحاً”، متناسياً أن مرحلة الإصلاح فات أوانها إلى حد كبير، والحاجة اليوم هي إلى مصالحة حقيقية بين أطياف الشعب السوري المفروز مناطقياً وطبقياً وطائفياً.