- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

باي باي نيكولا ساركوزي

نجاة شرف الدين

على الرغم من الضجيج الذي أحدثه وجود نيكولا ساركوزي في سدة الرئاسة الفرنسية، إلا أن أحداً لم يكن يتوقع هذا الهدوء والاحترام والتعبير عن قبوله للخسارة  بشرف، لدى قراءته لخطاب الاعتراف بفوز منافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند. هي من اللحظات النادرة لساركوزي، ليس فقط خسارته المعركة الانتخابية بل أيضاً الاعلان عن الانسحاب من الحياة السياسية، مكتفياً بالضجيج الذي أحدثه خلال عشر سنوات من المسؤوليات في الوزارة والرئاسة، والتعبير عن رغبته بالعودة للعمل الخاص من أجل جمع الاموال.
منذ اللحظة الاولى من إعلان ساركوزي عن رغبته في ترك العمل السياسي والتفرغ الى العمل الخاص، بدأت التحاليل والمقالات تتحدث عن نموذج لساركوزي يشبه نموذج بيل كلينتون المتفرغ للمحاضرات في العالم والأعمال والكتب. وبالرغم من ان بعض مساعديه اعتبر ان من المبكر اعتزاله للسياسة في سن السابعة والخمسين، إلا ان التوقعات، وخاصة من المقربين منه  أشارت الى انه إذا كان هولاند أطلق عليه تسمية «الرجل العادي» فإن الرئيس المنتهية ولايته كان رجلاً غير عادي لما تركه من محطات رافقت الخمس سنوات التي قضاها في الأليزيه بدءا بحياته الشخصية الصاخبة، التي بدأت بطلاق، وانتهت بمولودة جديدة، وما بينهما من زواج من المطربة الايطالية الاصل كارلا بروني وصولا الى السياسة الاستعراضية على طريقة «people».
الاعلام الذي حاول تحليل أسباب سقوط ساركوزي، خاصة في ظل الإجماع في الصحافة على أن التصويت حصل ضد ساركوزي وليس تأييدا لهولاند، فإن العديد من التحليلات ذهب بالقول إنه تأخر في حملته الانتخابية ولو أنه اعتبر نفسه قادراً على الاستلحاق لما فاته، ما انعكس على أجواء التحضيرات للحملة، إضافة إلى موقف اليمين الوسط بزعامة فرانسوا بايرو الذي أيد هولاند وموقف زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن التي دعت للتصويت بورقة بيضاء، وصولا الى تراجع شعبية ساركوزي رغم تمتعه بالكاريزما خلال الخمس سنوات، نتيجة ما اعتبره الفرنسيون تصويتا ضد سياسة التقشف التي اعتمدها بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي وبالتنسيق مع ألمانيا.
بعض المقربين من ساركوزي اعتبروا ان أولى مؤشرات خسارته الفعلية، والتي ظهرت منه شخصياً، كان بعد المناظرة التلفزيونية في ٢ أيار على شاشتي « France 2» و « TF1 « ، والتي قيل يومها ان المناظرة كانت متكافئة والنتيجة تعادل سلبي، ولكن التعادل بالنسبة لساركوزي كان خسارة له وربحا لهولاند، فقال بعد المناظرة لمساعديه إنه ذاهب الى البيت ليرتاح ولن يذهب للعشاء معهم للاحتفال، ففسرها المقربون بأنها بداية إحساسه بالخسارة.
في خطاب الوداع، وعلى طريقة قل كلمتك وامشِ، قال ساركوزي والغصة في صوته ومحاولة ابتسام فاشلة «الشعب الفرنسي اختار وهناك من هو أكبر منا هي بلدنا فرنسا». مشى… وبدأت الأسئلة، هل يعني خروج ساركوزي بداية تراجع حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية ( UMP ) لصالح صعود اليمين المتطرف المتمثل بالجبهة الوطنية بزعامة لوبن؟ وهل الأزمات الاقتصادية تنتج بالضرورة تطرفا في السياسة؟ وهل يستطيع هولاند ان يتجاوز مشروع ساركوزي في الاقتصاد وينسي الفرنسيين صورته الصاخبة والطاغية ليقول له فعلا «باي باي نيكولا ساركوزي»؟