- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

«عمتي» أسقطت ساركوزي

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

«عمتي» كانت وراء خسارة نيكولا ساركوزي الانتخابات.
«عمتي» ليست عمتي قريبة النسب رحمها الله، بل عمة الفرنسيين. «عمتي» ليست عمة كل الفرنسيين بل عمة بعض الفرنسيين من ذوي الدخل المحدود.
«عمتي» تشير إلى «مصرف باريس البلدي»، وهو مؤسسة «تسليف» مبالغ صغيرة ولكن مقابل رهن أشياء بسيطة مثل سوار أو ساعة أو آلة تصوير.
تأسست هذه المؤسسة عام ١٦٣٧ تحت اسم «جبل الرحمة» لمساعدة الفقراء. وقد تطور عملها وباتت تساهم في «تمرير نهاية الشهر» لعدد لا بأس به من المواطنين الذين يتوجهون إلى شبابيك «عمتي» حاملين أغراضاً، أيا كانت، يتلقفها الموظف ويحدد قيمة ما يمكن أن يسلف المحتاج مباشرة. وهي أرقام متواضعة تتراوح بين ٥٠ يورو أو ١٠٠ يورو وفائدة بسيطة جداً ولمدة قصيرة جداً لا تتجاوز الشهر، ولكنها تسمح للمواطن بتجاوز فترة صعبة بانتظار راتب آخر الشهر.

ينظر البعض إلى «عمتي» على أنها مؤشر الأزمات الاقتصادية في البلد، فكلما ارتفع عدد الذين يتوجهون إلى شبابيكها دل ذلك على صعوبات تعترض المواطنين ذوي الدخل المحدود. وفي السنتين الماضيتين سجلت «عمتي» أرقاماً قياسية، فكانت تستقبل في باريس وحدها حوالي ٨٠٠ شخص يوميا، ناهيك عن المناطق حيث توجد ٥٦ «عمتي» أخرى.

خلال الحملة الانتخابية حاول نيكولا ساركوزي التحذير من مغبة طروحات فرنسوا هولاند على اقتصاد فرنسا وعلى جاذبيتها لاستقطاب الرساميل.  لم يتوقف هو واليمين  من التخويف من أن «هولاند يريد تقليص عدد الاغنياء» وأنه سوف يفرض ضرائب على الأغنياء، أي احتمال ان تؤدي تلك السياسات الى هروب الرساميل الفرنسية والأثرياء إلى الخارج.

لم ينتبه ساركوزي إلى الصفوف التي كانت تقف عند شبابيك «عمتي»، لم ينتبه إلى أن القدرة الشرائية تراجعت وأن ما يزيد عن خمس ملايين فرنسي يعيشون على حافة الفقر وأن عدد العاطلين عن العمل بات بحدود المليون ليدور حول الـ ١٠ في المئة. هؤلاء لا يهتمون برساميل الأغنياء ولا بالأغنياء، هؤلاء يريدون أن يأكلوا.

ساركوزي قال إن «هولاند يريد إفقار الأغنياء»، فرد عليه هولوند بالقول «أريد نجدة الفقراء».

هؤلاء أرادوا اللحاق بمن قال لهم سوف اهتم بكم.

يرهن ٨٠٠ ألف مواطن سنوياً غرضاً لا قيمة له سوى القيمة المعنوية عند «عمتي» مقابل بضع عشرات من اليورو. مليون مواطن لا يملك أي منهم ما يضعه عند «عمتي» ليحصل على ما يستطيع أن يسد جوعه فيه. تمتد طوابير الواقفين أمام جمعيات الإغاثة للحصول على وجبة واحدة يومية أو بضع معلبات للأكل، مئات الأمتار على الإرصفة، وساركوزي كان يحذر من هرب الرساميل.

يقول ساركوزي إنه «واجه وجابه أزمة مالية لم يشهد مثلها التاريخ الحديث»، إلا أن جل ما يذكره الفرنسيون من هذه المعالجة التي يتباهى ساركوزي بها، هي الأموال التي ضختها الحكومات لإنقاذ المصارف التي عادت بعد أقل من سنة لتسجل أرباحاً، بينما الحكومات التي ساعدتها تسجل عجزاً تسده بالاستدانة من هذه المصارف بفوائد كبيرة…
المصارف الكبرى التي ساعدها ساركوزي وكافة القادة الأوروبيين لا تعرف شبابيك «عمتي».