بسّام الطيارة
هنيئاً لمن له وقع صوت في مكتب انتخابي. بهذا يمكن اختصار غياب العنف عن معظم الدول الغربية حيث تأصلت فيها الممارسة الانتخابية. ولكن أيضاً في بعض دول الجنوب.
أمامنا اليوم مثالان متناقضان: سوريا والجزائر.
في سوريا عملية انتخابية “صورية” في حضور العنف، ما ينزع عنها صفة “الأداة السياسية”. مخطئة المعارضة مرتين بعدم وقف العنف أثناء الانتخابات وتفضيلها أسلوب العنف عوضاً عن المقاطعة التي كان يمكنها أن تكون أكثر تأثيراً على “المعنى السياسي” الذي يبحث عن النظام عبر تنظيم الانتخابات. ومخطئ النظام مرتين: مرة بسبب حبسه للحريات لمدة ٤ عقود ما ساهم بوأد أي “يقظة سياسية” في البلد يمكن أن تقود إلى ممارسة ديموقراطية للسياسة، ما دفع المعارضة نحو العنف. مخطئ مرة ثانية حين تابع ممارسة قمع عنفي للثورة قبل الانتخابات بعد الإعلان عن تنظيمها وخلال الانتخابات وعند إقفال صناديق الاقتراع، وهو ما جعل من العامل الانتخابي الذي يراد به “امتصاص العنف” ديكوراً لعنف متواصل رغم وجود مراقبين دوليين لمراقبة وقف القتال.
في الجزائر عملية انتخابية “حقيقية” في غياب العنف وبحضور مراقبين دوليين طالبت بهم الحكومة القائمة، في إطار رغبة قوية بجعل العملية الانتخابية “أداة سياسية للمعارضة” تبعد العنف عن السياسة. إذ فعلت هكذا السلطات الجزائرية فذلك لأن “ذاكرة الحرب الأهلية” ما زالت متوقدة: حرب الجزائر الأهلية في تسعينات القرن الماضي- أي قبل أقل من عقدين- قامت بسبب “إجهاض عملية انتخابية” ورفض نتائجها. اليوم تحاول الجزائر استباق أي فشل بجعل العالم شاهداً على سير العملية الانتخابية.
ولكن للأسف في بعض الأحيان وعندما يكون الخيار بين المصالح وبين الديموقراطية فإن للمصالح وزناً يهشم أي صندوق انتخابي.
مثالان لذلك:
– العملية الانتخابية في الأراضي المحتلة والتي شهد عليها جيمي كارتر وقادت إلى وصول حماس إلى السلطة، فركب الغرب رأسه ورفض النتائج رغم “ختم ديموقراطيتها”. ونرى الآن النتائج على أرض مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
– غياب الديموقراطية في عدد من الدول العربية، خصوصاً في الخليج، لا يمنع التحالف مع الدول الغربية ولا الغزل والتغزل بتلك الأنظمة، رغم التباين الفظيع بين أنظمتها وأنظمة المتغزلين بها في الغرب.
من نتائج “انفصام شخصية” الغرب بين مصالح رائحتها نفط وبترو- دولار وبين ديموقراطية يمارسها في أراضيه ويرفع من قيمتها إلى درجة القدسية، هو انفضاض الثقة بهده الديموقراطية في بعض دول الجنوب.
لهذا السبب تفضل المعارضة السورية العنف عوضاً عن الإلتفات إلى الجزائر ولهذا لم ير النظام السوري ضيراً من الإعلان عن عملية سياسية على وقع ممارسة عنف قاتل كل يوم.
والغرب ما زال يتسلى بالكلمات المنمقة بعبارات تمدح الديموقراطية أمام عباءات لا تفقه من خطابه إلا أنه يسمح لها بالتشبث بمنع أي انتخابات في أراضيها وحصر قيادة السيارات بذوي الشنب واللحية.
ترتعد فرائض الجزائريين أمام هذا الانفصام وتكالب الغرب مع اللاديموقراطيين خصوصاً أن صدى مطالبة منظمة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بعدم التوجه لصناديق الاقتراع يصدح في سماء بلادهم.