- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الملياردير الحافي خلف السلطة

إميلي حصروتي

“يفترض بالسياسة أن تكون ثاني أقدم مهنة في التاريخ، لكني أصبحت أدرك أنها تحمل تشابهاً كبيراً مع الأولى”. رونالد ريغان، الرئيس الأميركي الأسبق.

مع أن كليهما يعملان في السياسة، إلا أن الفرق بين السياسي ورجل الدولة هوأن الأول يفكر بالإنتخابات المقبلة والثاني يفكر بالأجيال المقبلة. هذه الفكرة تبادرت إلى ذهني بعد سماعي لرئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، في مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء الفائت، وهو يعلق على الأحداث الدامية التي تسبح فيها مدينة طرابلس الشمالية وتكاد تجرّ معها لبنان بأكمله إلى المجهول، وقد ختم يومها سلسلة الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها بإعلان ترشحه عن المدينة في الإنتخابات النيابية القادمة.

فعلى الرغم من سياسة النأي بالنفس الإقليمية التي رسمت أداءه الحكومي منذ وصوله إلى كرسي رئاسة الوزراء اللبنانية إثر انهيار ائتلافه النيابي مع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، إلا أن نجيب ميقاتي لم يفوت سانحة واحدة ليثبت لأبناء مدينته الطرابلسيين أنه واحد منهم ولهم والأقدر على تمثيل مصالحهم. وقد ذهب في ذلك إلى حدّ تسجيل سابقة منذ اتفاق الطائف في ترؤسه حكومة يفوق عدد الوزراء السنة فيها عدد الوزراء الشيعة، مع خمسة من هؤلاء الوزراء السنة من مدينة طرابلس، خطوة مثالية رأى فيها البعض اليوم نواة للائحة الانتخابية السنية الطرابلسية القادمة في وجه الانتقام الحريري المرتقب.

فالرئيس ميقاتي الذي تخلى عن ترشحه للإنتخابات النيابية في سنة 2005 إثر توليه رئاسة الوزراء بعد اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري ضمانا لحياد حكومته آنذاك، هو غيره نجيب ميقاتي الذي يترأس الحكومة الحالية، فالمعطيات الإقليمية تغيرت والصداقات اللدودة تظهّرت والبادي أظلم. يعلم نجيب ميقاتي أنه قادم على أيام صعبة في ظل مراوحة النظام السوري مكانه في التعامل مع ثورة شعبه وفي ظل الحصار التي يفرضه عليه حلفه مع حزب الله الذي أتى به رئيسا للحكومة الحالية. مدينة طرابلس نفسها اختلفت عما سبق، فالإسلاميون الخمسمئة الموقوفون منذ ما يقارب الخمس سنوات من دون محاكمة، إرث ثقيل على مشاريع ميقاتي الإنتخابية والإقتتال الطائفي المتكرر بين جبل محسن العلوي وباب التبانة السني يضفي بظلاله على إمكانية أخذه موقفاً حازماً وهو المتعاطف بانتمائه السياسي لهؤلاء وبانتمائه الإنتخابي لأولئك.

سيخوض ميقاتي سنة 2013 معركة وجوده السياسي الكبرى وهو الذي أتى سابقا إلى رئاسة الحكومة على فرس أبيض قبل أن يعود إليها وقد تلطخت يداه بالطعنة التي سدّدها لحليفه سعد الحريري. فمن راقب نجيب ميقاتي عن كثب خلال أدائه الحكومي الحالي ومواقفه الإعلامية التي اشتهرت بما يعرف بـ”مصادر ميقاتي”، لم تغب عنه ليونة هذا اللاعب السياسي واستعداده لكافة الأدوار في سبيل الخاتمة التي تخدم طموحه وهي الوصول إلى المرتبة التي احتلها الحريري الاب يوما إقليميا ووطنيا. إنه ساحر ماهر نجح حتى الساعة في إخراج الأرنب تلو الآخر من قبعته، ولكن ثمة ثعباناً طائفياً تغذى على فتات الأرانب ولم تعد أي قبعة لتستره.