- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

عن سلامة كيلة… مرة أخرى

معمر عطوي
لا يمكن النظر إلى جسد المفكر الفلسطيني سلامة كيلة بعد اطلاقه من سجون الاستخبارات السوريّة، من دون الوقوف دقيقة صمت على روح الديموقراطية العربيّة وعلى روح الفكر المقاوم الرافض للذل والظلم والاحتلال.
جسد سلامة كيلة بندوبه وحروقه وجراحاته خير شاهد على هذه الذهنية التي تزعم دعم المقاومة ضد اسرائيل فتمارس ظلماً أبشع مما تمارسه دولة الاحتلال والاستيطان. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
ذهنية تزعم أنها حاضنة الشعب الفلسطيني المشرّد فتزج بأبناء هذا الشعب في سجونها حين يخرجون عن صمتهم ليُسموا الأشياء باسمائها. ألم تكن تهمة الفتحاوي والبعثي العراقي أشد خطورة من تهمة عميل الموساد لدى استخبارات البعث في دمشق خلال عقود؟
نعم، أكتب مرة أخرى عن سلامة كيلة في غضون أيام قليلة، لأن المشهد لم يعد يحتمل نفاقاً أكثر وكذباً أكثر، وحبل الكذب قصير كما يقول المثل العربي. فكيف اذا كان الكذب بحجم خريطة مزروعة بالفخاخ تشبه جسد الكاتب اليساري الذي قاتل بقلمه فقاتلوه بكل أنواع أدوات التعذيب.
كيف يمكن هذه الذهنية أن تقنعنا أنها صاحبة الفكر المثالي والمقدام في تحدي المؤامرات الخارجية والمشاريع الاستعمارية، في وقت تؤكد لنا أنها هي المؤامرة بعينها وهي الاستعمار بعينه، إذ كيف يمكن لمقاومة أن تكون ضد الحريّة وأن تُصادر كرامة البشر، وفي الأصل هي وسيلة لتحقيق الحريّة.
هل لا تزال فرضية السيء والأسوأ في مقارنة “الممانعين و”المعتدلين” أمراً مشروعاً او واقعياً، أم أن السيء والأسوأ باتا نسيجاً واحداً معجوناً بالنفاق والكذب والعهر السياسي؟
هل يمكن تحرير فلسطين بذهنية كهذه، أم أن التحرّر شرط لحمل فكر المقاومة ونهجها؟
الذي يشاهد سلامة كيلة، ذاك المفكر الذي رفض ظلم النظام كما رفض التدخل الغربي في شؤون سوريا، يدرك أن الحريّة لا يمكن أن تصنعها دوائر الاستخبارات الجوية السورية ولا فرع فلسطين في كفرسوسة ولا مرجع ديني أو سياسي يدعم هذا النظام ويتماهى مع هذه الذهنية.
طبعاً، لا نحتاج مشاهدة التعذيب الذي تعرض له الرفيق سلامة، حتى نعرف مدى الاستبداد الذي يميّز النظام السوري، فأطفال درعا وشيوخ بابا عمرو وبيوت دير الزور وادلب وجسر الشغور الخ، كلها تبيّن صورة هذه الممانعة التي صدقنا لسنوات طويلة انها ستحرّر فلسطين وأنها ستبني وطناً عربياً حراً كريماً بمعزل عن املاءات الغرب واستخباراته.
صدّقنا أن هناك شيئاً ينبغي أن نقف معه، على مضض، ضد الأسوأ، وأن “طهرانية” متسامية تخضّب سلوك هذا الممانع وتردعه عن ارتكاب الشر الذي وصمه به الرئيس الاميركي الراحل جورج بوش. لكن ما بين محور الشر والشيطان الأكبر شعرة معاوية التي تذكرنا دائماً أن الندوب والجروح والقروحات في جسد سلامة كيلة وفي أجساد آلاف الأطفال والشبان والنساء السوريين والعرب، ما هي الا صورة العُهر الذي يتباهى ارباب الممانعة والمقاومة. إلاّ فلسطين نأت بنفسها عن هذا العهر، وباتت تصرخ بأعلى صوتها: لن يحررني سوى الديموقراطيين ولن تدس ترابي الا اقدام الأحرار الذين يعرفون قيمة الانسان ويقدّرون كرامته. الحرية ما هي شعار ولا كلاشيه للاستهلاك الشعبي إنما هي ذهنية وسلوك وغاية للمقاومين الأحرار، الذي لا يجرؤون على رشق مفكريهم ومثقفيهم امثال كيلة حتى بوردة.