- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

جولة بغداد: إيران الرابح الأكبر

باريس- بسّام الطيارة
انتهت المفاوضات بين «مجموعة الستة وإيران» وسط تردد في تقييم نتائجه إن لم نقل تباين بين الفرقاء الغربيين في إعلان ما توصل إليه المتفاوضون في بغداد.
ما الفارق بين بين لقاء بغداد ولقاء اسطنبول؟ حملت «أخبار بووم برس نت» السؤال وتوجهت إلى مصدر عال مقرب جداً من هذا الملف. لمح المصدر إلى أن «هذا السؤال هو لب الموضوع» قبل أن يضيف «يوجد تغيير يوجد تقدم وإن كان غير ملموس». وعاد المصدر إلى «تصريحات البارونة أشتون ممثلة الاتحاد الأوروبي وآخرين» التي لا تنم واقعياً عما دار حول طاولة المفاوضات، وبحكم خبرته، علق على الأمر بالقول «توجد معلومات للاستهلاك المباشر بعد الاجتماعات الدولية، وعندما تكون الوفود مشتركة (كما هو الحال في تركيبة الـ ٣+٣) توجد معلومات نتيجة تقييم خبراء الدول المشاركة بعد اطلاع المراجع السياسية، هذه الأخيرة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول فردياً، وليس جماعياً كما هو الحال في الصريحات الساخنة» في إشارة إلى تصريحات أشتون.
وقول المصدر «وجدت هذه المرة  إرادة لا شك فيها بالرغبة بالتوصل إلى حل ليس فقط لدينا بل لدى الطرف الإيراني أيضاً»، وهو  الفارق الأكثر وضوحاً بين اسطنبول وبغداد. ويذكّر كيف كان الأمر في اسطنبول حين كان «لازماً علينا في تركيا انتظار اللحظات الأخيرة ليقارب جليلي لب الموضوع» ويقول بوضوح «لن نوقف التخصيب ما لم ترفعوا العقوبات».
أما هذه المرة فيبدو أن العملية التفاوضية انتقلت بشكل جدي منذ بداية اللقاء، إذ حمل جليلي من الدقائق الأولى شعار «حق إيران في التخصيب» وحسب التسريبات فإن هذا الأمر استغرق وقتاً طويلاً جداًَ وأخذ حيزاً من النقاشات والجدل التفاوضي بين أخذ ورد. ويصف مشارك في الاجتماع كيف كان جليلي «يدور حول الموضوع مستعملاً الصيغ الغامضة والإلتفافية »قبل أن يخرج ما بطنه» وذلك حين قال« إذا إردتم أن نوقف التخصيب لدرجة الـ٢٠ في المئة عليكم أن تدفعوا الثمن».
يقول المصدر «عندها فهمنا أنه يمكننا الوصول إلى نتيجة في هذا الاجتماع».  خصوصاً أن جليلي لم يتحدث عن وقف العقوبات أو تعليقها، وأضاف المصدر «يمكن اعتبار هذا الصمت حول العقوبات من قبل الأيرانيين هو العامل الجديد». عامل آخر مؤثر كان مشاركة  الروس والصنيين في محاول إعادة التركيز على الشأن الأساسي أي وقف البرنامج النووي الإيراني، ولا يتردد المصدر من القول «وهم فاجأونا بذلك».
عندها عاد الفريق الإيراني إلى محاولات الخروج من صلب الموضوع، نحو أمور فرعية «وهي أساليب عودنا عليها الإيرانيون» إلا أنهم لم يشددوا كثيرآً إذ كان وراء رأسهم على ما يبدو «هدفاً محدداً» يريدون الوصول إليه.
ثم انتقلوا إلى «تحديد الثمن» حسب قول المصدر فتطرق الإيرانيون إلى الشؤون الإقليمية ودور إيران «فعرضنا عليهم البحث في قضايا مثل المخدرات والقرصنة والإرهاب» فردوا باقتراح «الحديث في الشأنين السوري والبحريني». ويقول المصدر «رفضنا ولم يلحوا كثيراً»، إلا أن التسريبات تقول إن القوى الغربية «أفهمت محاوريها بأن الملف السوري لا يمكن التطرق له إذ أنه موضوع نقاش في مجلس الأمن» وأضافت التسريبات أن الغربيين رفضوا التحدث بالشأن البحريني «في غياب الدول المعنية» ويضيف المصدر «إن اجتماعنا ليس مكلفاً بالتحول إلى منتدى لحل كل مشاكل العالم».
رغم كل هذا يعترف المصدر بأن المحادثات سجلت تقدماً» ولم تتأثر بالاحتكاكات الصغيرةوكانت «النتيجة الملموسة الوصول إلى اتفاق للاجتماع مرة ثانية في موسكو» إلا أن كل الخبراء يعترفون بأن ذلك يمكن اعتباره شجرة التوافق التي تخبئ غابة المصالح المشتركة للوصول إلى اتفاق ولو كلف ذلك بعض التنزالات.
ويشر المصدر بأن الغربيين وضعوا نصب أعينهم سؤالاً واحداً: «ما إذا كان الإيرانيون يريدون بعد فشل اسطنبول الدخول في مباحثات جدية أم لا ؟» ذلك أن الغرب بشكل عام كان يريد التوصل إلى نتيجة ملموسة. فأوباما دخل في نفق الانتخابات الرئاسية وتشير كافة الدلائل على أن الإدارة الأميركية تتخوف جداً من «ضربة إسرائيلية تضع الجميع أمام مسؤولياتها» حسب قول ديبلوماسي أميركي شرط كتم هويته، الذي يفسر بأن إسرائيل أيضاً تتخوف من أن فوز أوباما سوف «يحرره من ضغوط اللبوي الإسرائيلي» على أساس أنه لا يعود بحاجة لأي دعم طالما أنه لن يترشح لولاية ثالثة.
ويؤكد ديبلوماسي غربي بأن «معادلة الخوف هذه كانت أيضاً موجدة لدى الإيرانيين» إلى جانب عوامل موضوعية تعود إلى نتائج الانتخابات التي «حررت الخامنئي » مرشد الثورة من الضغوط.
وبالتالي فإن الغرب جاء حاملاً عرضاً سخياً لإيران» وقد تفجأ الغربيون بأن «إيران أيضاً حملت عرضاً سخياً» تمثل بعدم المطالبة برفع العقوبات قبل البدء بالتفاوض و«إلقاء جانباً المطالب المتعلقة بدورها الإقليمي».
ويفسر هذا ديبلوماسي فرنسي بـ «أن الاتفاق على اجتماع بعد أقل من شهر هو بحد ذاته نجاح» ويعتبره «اختباراً ناجحاً لوحدة مجموعة الستة في مواجهة الإيرانيين»، وهو أيضاَ شيء جديد، إلى جانب «لهجة المندوب الروسي الذي اتخذ موقفاً شديداً وقريباً من مواقفنا» قبل أن يضيف «سوف نمتنع عن ترديد ذلك فوق السطوح حتى لا نسيء لزملائنا الروس والصينين».
و،يشرح المصدر المقرب من الملف بأن تقديم العرض «هو محاولة لعدم العودة إلى المقاربة المزدوجة: عقوبات وحوار في ظل معادلة الخوف» الموصوفة أعلاه.
الخطاب الغربي الموجه لإيران دار حول محور وقف التخصيب ورفع العقوبات وارتكز حول النقاط التالية:
١-  وقف عمليات التخصيب بنسبة ٢٠ في المئة.
٢- وقف العمل في منشأة قم وقف كافة أشكال التخصيب.
٣-  نقل الكميات المخصبة إلى بلد ثالث (لاحض من دون تحديد نسبة التحصيب المئوية في العرض».
عند سؤالنا عن النسب يجيب المصدر بسرعة فائقة وكأنه لا يريد الدخول في التفاصيل:«٢٠ في المئة» ونسأل مرة ثانية «وماذا عن المواد المخصبة بنسبة ٣،٥ في المئة» يجيب بسرعة أيضاً «يقولون – الإيرانيون- إنهم استعملوها»، وتابع متهكما «نرجو أن لا تكون النتيجة كارثية».
ويتابع العرض من ناحية ما سوف تقدمه مجموعة الـ ٦ مقابل تفيذ ما ورد في النقاط السابقة:ويقول مقابل ذلك  مقابل ذلك
٤- عرضنا على الإيرانيين :
– الحصول على وقود نووي مخصب بنسبة ٢٠ في المئة لتشغيل مفاعل طهران النووي العلمي التجريبي. علماً أننا كنا في الماضي قد عرضنا مقايضة وقود نووي لمفاعل طهران على دفعات غير متزامنة مع تسليم إيران لليورانيوم المخصب، ولكن هذه المرة نسلمها دفعة واحدة.
– تزويدهم ببطاريات لاستخدامات الطبية
– تعاون في مجال الطب النووي
– مساعدتهم في دراسة إنشاء مفاعل نووي لأهداف علمية
– التعاون في مجال أمن المنشآت النووية واستخدام الطاقة النووية.
ولكن إلى جانب ذلك يقول المصدر بصوت خافت بعد تردد طويل قدمنا أيضا ًعرضاً سياسياً يقول بأن
٥- المجموعة الغربية تتعهد بعدم استصدار قرار في مجلس الأمن يتعلق بـ«أسلحة الدمار الشامل». ويضيف بسرعة كما تعهدت الولايات المتحدة بتخفيف القيود الموضوعة م جانب واحد على بيع وحصول إيران على قطع غيار وشهادات أمان للطيران المدني، في حل حصلت عليها من طرف ثالث.
ولكن يتفق الخبراء على أن هذا العرض السياسي يعتبر بحد ذاته «تنازلاً غربياً كبيراً» لأن «ما يشار له في الحالة الإيرانية بأسلحة دمار شامل هو في الواقع الأنظمة الباليستية» أي أنظمة الصواريخ البعيدة المدى.
نسأل المصدر «إلى ماذا يرمي هذا البند الخامس بالفعل وما إذا كانت أنظمة الصواريخ مشمولة» فيجيب متهرباً «معنى ذلك أن الغرب يستطيع التنديد بأي خرق لحقوق الإنسان في إيران» وبعد تردد مثقل بالمعاني يتابع «ولكن لن نعود إلى المجلس فيما يتعلق بالنووي». نعيد ترديد السؤال ما إذا كان ذلك يشمل «الصواريخ الباليستية» فيقول بسرعة واقتضاب «نعم».
يفسر الخبراء هذا بأنه تراجع كبير من قبل الغرب إذ أن العقوبات المتعلقة بالنووي الإيراني وصلت إلى أقصى حد يمكن لمجلس الأمن أن يقرره.، أضف إلى أن «آلصين وروسيا لن توافقا البتة على أي قرار عقوبات جديدة» وبالتالي فإن ذلك يعني «إعطاء إيران حق مواصلة العمل على البرامج الباليستية» وهو مكسب لا شك فيه. ويفسر ديبلوماسي غربي لا تشارك دولته في المفاوضات بأن «الغرب لم يعد يستطيع منع إيران من الحصول على تقنية صواريخ بعيدة المدى» بعد أن باتت عدة دول تمتلكها فكوريا الشمالية إلى جانب الهند وباكستان دخلت نادي إطلاق الأقمار الصناعية «كوريا الجنوبية تتدرب» على هذه التقنية وأطلق اليابان قبل أيام من اجتماع بغداد صاروخاً تجاريا يحمل قمراً صناعياً أضف إلى أن «إسرائيل أطلقت عدة صواريخ وضعت أقماراً صناعية فوق رؤوس شعوب المنطقة».
من هنا يظهر أن محور اهتمام الإيرانيين الحصول على ثمن لـ«وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة الـ ٢٠ في المئة» وأن «الاعتراف بحقهم بالتخصيب» من دون طلب رفع العقوبات كان يخبئ واقع «قبول الغرب بتخصيب إيران بنسب متدنية» وأنا إضافة إلى ذلك أعطت «هدية باليستية» إلى طهران.
ويشرج ديبلوماسي بأن طهران حملت استراتيجية تفاوضية كمنت وراء التشديد على حق التخصيب ويوقل إن «جليلي ديبلوماسي محترف لهو منطق متماسك ومنهجي، ويبدو أن ما صدر من طرفه بشكل طلبات متناقضة وغير منطقية مصدرها جهة عليا بشخص مرشد الجمهورية محمد علي خامنئي» وأنها طلبات مبنية على «تمجيد القومية الإيرانية» ولا علاقة لها بالتحليل المنطقي السياسي لمواقف المتفاوضين. وبالتالي فإن تزايد سلطة الولي الفقيه بعد الانتخابات سمحت له بهذه الحرية وأنه سوف يعلن «الثمن الذي قبضه تحت راية تقدم إيران في نادي مطلقي أقمار صناعية» في مستقبل قريب.
ويقول ديبلوماسي واصفاً موقف باريس بأنه يمكن أن يتطور في المستقبل «ليعرقل» هذا المسار ويتابع إن «فرنسا بمطالبتها بتنفيذ كامل القرارات ذات الصفة»، واستناداً إلى المادة ٣٧ من معاهدة حظر الانتشار النووي، فإنها سوف تدفع حلفاءها إلى «عدم التوقف عند المطالبة بكميات اليورانيوم المخصب بنسبة ٢٠ في المئة».
ولا يستبعد الخبير «خدعة» غربية لإخراج المواد المخصبة بنسبة ٢٠ في المئة حسب مبدأ «خذ وطالب».
ورغم التشديد على أنه لم يحدث أي تراجع جوهري في الموقف الغربي إلا أن لا يمكن إنكار أن «إيران خرجت» رابحة من مفاوضات بغداد.
ولا بد أن هذا كان وراء «التعجيل بإرسال وفد عال إلى دول الخليج لوضعها في الصورة». فقد علمت «أخبار بووم برس نت» بأن ديبلوماسيين كبيرين هما «إلغا شميدت» (Elga Schmidt) و«ويندي شيمان» (Weldy Shiman) توجها إلى عاصمة خليجية ل«تفسير ما حصل» لعدم ترك إيران «تحتكر الإعلان عن النتائج رغم أن التكتم الإيران عن تلك النتائج الجيدة و إشارة إلى أن لعبة «خذ وطالب» تمارس أيضاً في طهران.