- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

برنار هنري ليفي: عودٌ على بدء

جاد عويدات
يعود المفكر اليهودي برنار هنري ليفي، من جديد، لاستئناف دوره بتوجيهه رسالة الى رئيس دولة عظمى، عنيت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يدعوه فيها ” لأخذ المبادرة ” مع الحلفاء القدماء بشان سوريا ولوضع استراتيجية تتخطى مجرد الدعم الواضح لمبادرة كوفي أنان. مرة جديدة، ليفي يقرع طبول الحرب.
برنار هنري ليفي، فيلسوف فرنسي وملياردير، يملك الكثير من الكاريزما والتأثير مع محاوريه، وله حضوره في الأوساط الاعلامية والسياسية والديبلوماسية في اوروبا والولايات المتحدة وهذا ما يفسر نشره مقاله الاخير بالتزامن في عددٍ من الصحف الاوروبية المرموقة إضافة الى إستضافته في وسائل الاعلام الفرنسية للحديث عن فحوى رسالته.
لقد استطاع ليفي العام الماضي إقناع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بضرورة التدخل العسكري المباشر في ليبيا، وسخًّر لذلك مجهودا لامحدود من اجل إتمام الحملة العسكرية التي أطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي. وضع طائرته الخاصة في خدمة المجلس الوطني الليبي وأمّن وصول أعضائه الى قلب الاليزيه، وإن لم يشارك عسكريا في “الحرب التي يكرهها” فأسهم في إيصال السلاح الى الجبهات، تفاصيل يرويها بكل فخر واعتزاز في كتابه الاخير.
لحسن الحظ، ليس هناك من تواصل ما بين ليفي وقيادات المعارضة السورية، هذا الامر هو في غاية الأهمية لان أهداف ليفي شديدة الوضوح. تمتلئ الشبكة العنكبوتية بتصريحاته الرنانة في مجال حقوق الإنسان والمدافعة عن أطفال البوسنة وليبيا والشيشان… ولكن في نهاية الامر لا يخفي دفاعه المستميت عن اسرائيل ويطرح المبررات البسيطة التي تقنع الصحافيين الغربيين بسهولة. بالتاكيد لسنا في وارد خلط الامور وتبرير ما يقوم به النظام السوري، ولكن ألا يستحق أطفال غزة وقانا والعراق بعضا من هذا الاهتمام ؟
قبيل الثورات ورياح التغيير التي هبت على العالم العربي، كان العالم العربي يعيش في حالة من البؤس، ويئن تحت وطأة الياس والإحباط والتخلف. في فترة “الشقاء العربي” كما وصفه الكاتب الكبير سمير قصير، كان اللاوعي العربي يصف الأنظمة الديكتاتورية بذئاب ضارية على شعوبها وبحملان وديعة تجاه العدو اللدود إسرائيل. ومع ذلك اطلعنا ليفي على أمر خطير كنا نجهله ألا وهو، على حد تعبيره، أن دافعه لاسقاط القذافي، كان إسهاما في إسقاط أحد ألد أعداء دولة اسرائيل.
النظام السوري يتابع قمعه الدموي لشعبه المطالب بالحرية والديموقراطية ومعظم المعارضة السورية صارت مقتنعة بضرورة الحل العسكري. جريمة الحولة البشعة، أيا كان مرتكبها، والتي راح ضحيتها العشرات بل المئات معظمهم من الاطفال الأبرياء، أوصلت الامور الى نقطة اللاعودة مع الأسف الشديد. يحتاج كوفي أنان الى معجزة لإنجاح مهمته. في كل يوم، في كل ساعة وفي كل لحظة، تتفاقم الأوضاع ويسقط المزيد من الضحايا ويخيم شبح الحرب الاهلية في أفق سوريا وربما سيصل لهيبها الى لبنان بسب تركيبته السياسية والاجتماعية المعقدة.
في هذه الايام العصيبة التي تعيشها سوريا لن يجد الحوار الذي دعا اليه الرئيس اللبناني ميشال سليمان فرقاء السياسة اللبنانية من معنىً بدون التقدم في الملف السوري. بالتأكيد يجهل ليفي خصوصية الوضع اللبناني او بمعنى آخر لا يكترث له بأي حال من الأحوال وهو المنظر للحروب الانسانية. أخيرا وليس آخراً، تحدث ليفي لإذاعة محلية فرنسية عن ضرورة الإسراع في إسقاط نظام الأسد لأنه يشكل خطرا على أمن اسرائيل وهو الداعم لحزب الله والحليف لإيران وعلى “الدول السنية المحيطة بسوريا” على حد سواء. هذا الكلام بالغ الخطورة والغاية منه معروفة سلفا، ولا بد من نشره واطلاع الرأي العام العربي عليه، ليس لإنقاذ النظام السوري من السقوط وانما لإنقاذ ما تبقى من العالم العربي من هذا الخطاب الطائفي والتعبوي المدمِّر.
في هذه الايام العصيبة التي يعيشها السوريون، لا بد لوسائل الاعلام وبالتحديد الاعلام العربي ان تقوم بواجبها وبدورها بكل موضوعية وتجرُّد على أمل أن تصلح الامور ولا يسعنا الا ان نأمل ونتأمل.