- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

طرابلس : امتحان الدولة

نجاة شرف الدين

للمرة الثانية خلال أقل من أسبوعين ، تعود طرابلس الى واجهة الخبر الاول إعلاميا، ومجددا من الزاوية الأمنية،  حيث يستنفر الاعلام أجهزته لنقل الوقائع على الارض، ويتكرر المشهد بين باب التبانة وجبل محسن حاصدا المزيد من الضحايا، في معارك نارية طاحنة لا يمكن فهمها، لا كيف بدأت ولا لماذا إنتهت ولا متى ستستكمل.

المشهد الشمالي إستنفر الحكومة الميقاتية، الطرابلسية بامتياز، حيث  جدد الرئيس نجيب ميقاتي إجتماعاته مع الفعاليات السياسية والأمنية من أجل معالجة التطورات الميدانية، خاصة أنها حصدت خمسة عشر قتيلا وستين جريحا في أربع وعشرين ساعة، والذي عزاه الاعلاميون الى إستخدام أسلحة متطورة في عمليات القنص التي تمت، وتم الاتفاق في الاجتماعات، كما في المرات السابقة، على خطة إنتشار أمنية للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي.

على الرغم من التوتر المزمن الذي تعيشه منطقة باب التبانة جبل محسن ، منذ ما يقارب الثلاثين عاما، نتيجة الخلافات الطائفية العلوية السنية، فإنها تشهد منذ بداية الاحتجاجات في سوريا، توترا متزايدا على خلفية قدوم النازحين السوريين الى المناطق الشمالية وإحتضانهم من أهالي المنطقة، والتحركات والنشاطات التي تقوم بها القوى الحزبية والإسلامية الموجودة هناك لدعم الجيش السوري الحر والثوار في سوريا، وهو ما إستفز العلويين بقيادة الحزب العربي الديمقراطي بزعامة رفعت عيد، الداعمين للنظام السوري بزعامة الرئيس بشار الاسد.
في كل مرة تحصل المعارك في منطقة باب التبانة جبل محسن، يطلب من الجيش والقوى الأمنية الانتشار، وتطلب هذه القوى رفع الغطاء السياسي عن المسلحين، والسماح لهذه القوى بالدخول، وفرض الامن بالتراضي، وتأتي الهيئة العليا للإغاثة لتعوض على المتضررين، في انتظار الجولة المقبلة التي أصبحت وتيرتها هذه المرحلة أسرع، وتستخدم فيها أسلحة متطورة وأكثر فتكا، كما ان المجموعات المقاتلة تتزايد أعدادها وأنواعها، حيث ينقل الاعلام ان أحياء طرابلس تحولت الى أزقة يتمترس خلف كل واحد منها مجموعة مسلحة وتحت تسميات وعناوين مختلفة تجاوزت الثلاثين مجموعة تحتمي بمرجعيات سياسية ودينية وأمنية.

هذا الواقع الذي بدأ ينذر بتمدد المعارك الى خارج أحياء باب التبانة وجبل محسن، حذر منه العديد من المراقبين والمحللين، وهم إعتبروا ان التخوف ينبع من سيناريوهات عديدة بدأت تطرح، منها محاولة القيام بـ” ٧ أيار ” شمالية ولكن هذه المرة من القوى الحزبية والإسلامية المؤيدة للثورة في سوريا وضد النظام السوري، من أجل خلق منطقة يمكن التحرك من خلالها لمساعدة الثوار السوريون، وإيجاد نوع من توازن الرعب الجديد في الداخل اللبناني لمواجهة “حزب الله”، وذهب البعض في التحليل في تداعيات مثل هذه الخطوة واحتمالات تمددها الى خارج الشمال، وهو ما يهدد بحرب أهلية واسعة.
هذه السيناريوهات المتشائمة تتزامن مع كلام متعدد أعلنه أكثر من دبلوماسي وسياسي دولي، وحذر فيه لبنان من تداعيات الحرب في سوريا، وتخوف من إنزلاق لبنان الى حرب أهلية، وهو ما إستدعى قيام رئيس الجمهورية ميشال سليمان بدعوته للحوار الوطني وإستكملها بزيارة للملكة العربية السعودية التي دعمت بدورها الدعوة الى الحوار، وهناك من إعتبر ان ما حصل في طرابلس ممكن ان يسرع في قبول بعض الأطراف التي لا تزال ترفض الحوار من دون شروط، على الجلوس الى الطاولة نتيجة خطورة المرحلة ودقتها وأهمية القيام بخطوات وقائية داخلية من أجل التهدئة.
لقد فشلت الدولة حتى الآن في وضع حد نهائي وقاطع لما يجري من معارك غير مبررة، في منطقة باب التبانة جبل محسن، وفشلت القوى الأمنية والجيش اللبناني في الامتحانات السابقة، من أجل منع تكرار القتل المجاني، وهنا يطرح السؤال فعليا، هل هناك قرار سياسي حاسم وحازم ، من أجل إيقاف النزيف في طرابلس، وتسليم زمام الامور الى الدولة ممثلة بقواها الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وبالتالي يسمح لهذه القوى بالقيام بدورها الفعلي؟ أم ستسقط الدولة مجددا في امتحان الارض وتسقط معها مؤسساتها القليلة المتبقية وعلى رأسها مؤسسة الجيش اللبناني؟