- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مشاهد من التخلف اللبناني

جمانة فرحات

(1)

المشهد الأول: عملاء يخرجون من السجون. يحملون على الأكتاف وكأنهم أبطال أو أسرى محررون من المعتقلات. يلقون الخطب العصماء. يدافعون عن أنفسهم. يتهمون الدولة بتلفيق التهم لهم بسبب مواقفهم.

المشهد الثاني: نواب، رؤساء أحزاب، ووزراء يرحبون بالعملاء. يلقون القصائد اجلالاً لهم. يباركون لهم بالخروج والنصر على الظلم منساقين وراءهم في لعبة ارتداء ثوب ضحية.

والنتيجة: إيأس. فالرسالة باختصار أن إسرائيل ليست عدواً بهذا السوء. لا تصدقوا أنها لم تفوت يوماً فرصة للقضاء على لبنان. لا تصدقوا أنها ارتكبت مجزرة قانا لأول مرة في العام 1996 ثم كررتها في 2006.

إعلموا أن التعامل معها سهل ولا داعي للقلق بعد اليوم. فللعمالة مردودها المالي المربح. أما آثارها السلبية داخل المجتمع، فيكفي للتغلب عليها أن تتهم الدولة وأجهزتها الأمنية بالكذب أو حزب الله بتلفيق التهمة لك. وهكذا تخرج من السجن وأنت بطل عوضاً أن تكون منبوذاً.

(2)

المشهد الأول: إسلامي مغمور! يساعد المعارضة السورية! يمدهم بالغذاء أو السلاح! اسلامي متطرف! ينتمي إلى تنظيم أصولي! أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة لكن لا داعي لانتظار الحصول عليها.

المشهد الثاني: جهاز أمني لبناني أخرق. يُحسب رئيسه على مذهب معين يعتقل الإسلامي في عقر أتباع المذهب الآخر. وفي عقر مؤسسة اجتماعية لوزير من نفس المذهب.

النتيجة: إحزن. سبب الاعتقال يصبح أمراً ثانوياً. البلاد أصبحت بين عشية وضحاها على كف عفريت. شبح الاقتتال المذهبي عاد ليتجول بين الأزقة مبتسماً ومعايناً الأرواح التي سيحصدها قريباً، هازئاً من أصحاب العقول السخيفة الذين لم يتأخروا لينزلقوا إلى الاقتتال باسم الدين والمذهب. فيما الله والدين والمذهب منهم براء.

وباسم الدين والمذهب سيخرج الوزير نفسه ليصطحب بسيارته الموقوف بعد اطلاق سراحه. سيُستقبل بين أبناء منطقته استقبال الفاتحين المحررين. سيبتسم الجميع فيما وحده شبح الاقتتال يقول في سره: يضحك كثيراً من يضحك أخيراً.

(3)

المشهد الأول: رجل دين يمر بسيارته أمام حاجز عسكري. أخذ ورد بين المسؤولين عن الحاجز والشيخ ومرافقيه… تفاصيل عديدة تغيب، لكن الثابت الوحيد أن الشيخ أطلقت عليه النار وتوفي.

المشهد الثاني: استنفار مذهبي بعدما صُب الزيت على النار. تقطيع أوصال البلاد. استعادة أجواء 7 أيار 2008، وإن انقلبت هذه المرة الأدوار من دون أن يتبدل المشهد حيث الجميع يتربص بالجميع.

الرسالة: ارتعب. انتم ونحن. ونحن وهم. وكأن لا وجود لوطن اسمه لبنان ولا لمواطينين يستحقون العيش بعيداً عن القلق شبه الدائم. جولة صغيرة في الأزقة الداخلية للمناطق كانت كافية لتأكيد ذلك. استنفار الأطراف.  أجهزة اللاسلكي الظاهرة… العيون التي تراقب… وحمام الدم الذي يقترب.

(4)

مشهد وحيد: قذيقة اينرغا هنا. طلقات من رشاش هناك. والمعركة بين باب التبانة وجبل محسن بدأت. قتيل من هنا وقتيل من هناك. وعلى وقع ازيز الرصاص اتصالات لا تنقطع. المسلحون منتشون بالحرب الجديدة. والصغار أيضاً. فقد بات بعضهم يلبس البذلات العسكرية ويحمل السلاح ولا يتردد بالحديث عن الجهاد والدفاع عن الطائفة. لكن الفرحة لن تكتمل. الهدنة فُرضت والسلاح تراجع قليلاً ولو إلى حين لن يتأخر. فالمعركة ها هي تجددت. والقتلى والجرحى يتضاعفون.

والرسالة واضحة: الدولة اللبنانية تكاد تتلاشى. هيبتها لم تعد في الحسبان. مسلحون، قطاع طرق، وخاطفون. كل يغني على ليلاه. تستجديهم الدولة لاعادة الهدوء ولو المؤقت. ولهم وحدهم أن يقرروا. لا جيش قادر على الضرب بيد من حديد كما يسعى لايهامنا، ولا سياسيين قادرين بعد اليوم على فرض كلمتهم على المسلحين وقطاع الطرق. الوحوش البشرية الذين أنفق السياسيون عليهم على مدى سنوات قد خرجوا من قمقمهم واحتلوا المشهد. فالكلمة في هذه اللحظة لهم. لا صوت يعلو على صوتهم. وما علينا سوى الانصياع للايقاع الذي يريدونه ونسير معهم رويداً رويداً نحو الحرب الأهلية لنلاقي شبح الاقتتال والموت مبتسماً…