- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

٧- «إطاليانو بلو» (Italiano bello)

علي السقا
يستلقي على الفراش مسنداً ذقنه إلى راحة يده. ينعكس ضوء شاشة التلفاز المركون عند الزاوية على بلّور النظارة الضخمة فوق أنفه. عندما يتأمل وجهه في المرآة، قبيل مغادرته تلك الغرفة الواسعة، العفنة والآيلة للسقوط، يشعره البلور السميك لنظارته لحظة يرفعها، بأن عينيه صغيرتان جداً وتكادان أن تغرقا في وجهه. 
يطلق ضحكة خفيفة ممتزجة بالانتشاء. فقد استطاع بطل فيلمه أن يجذب لتوّه أجملهن بسبب وسامته. «إنها لك أيها الايطالي الوسيم! عافاك»، قال له مخاطباً وعيناه مثبتتان إلى التلفاز. 
لم يكن يملّ مشاهدة الأفلام الايطالية غير المترجمة. صحيح أنه استطاع حفظ بعض الجمل بالايطالية. لكنه كان يكتفي بإمعان النظر إلى وجوه الممثلين وأجسادهم. إلى تينك المرأتين اللتين مسدتا شعر البطل، وهمتا تفصحان له عن إعجابهما بوسامته «Oh! Italiano Bello». حتى إنه لفرط انسجامه راح يمسد شعره هو الآخر، لكنه ما لبث أن انتبه إلى ما هو عليه. 
رجل قصير وبدين، عريض الحاجبين، كثيراً ما هزئ به صحبه لأنفه الغليظ ذي اللون المائل إلى الأحمر، حتى أطلقوا عليه لقب «طماطم». لم يكن يبادرهم سوى بأن يضحك ملء فمه. يعرف أن صحبه رغم هزئهم صادقون، فأنفه غليظ بالفعل وأحمر أشبه بحبة الطماطم. 
«لا بأس بكل هذا! فليس كل الايطاليين وسيمين. بإمكاني أن أكون ايطالياً قليل الوسامة»، صمت ثم أردف محدثاً نفسه: «ولكنك بشع! لم تسترع انتباه امرأة يوماً، حتى اللواتي أصبحن عوانس لا يعرنك انتباهاً. لم تذق طعم الحب. لا. أنت تتعمد الكذب. فقد أحببت من قبل. أليس كذلك؟ صحيح أن كلّ اللواتي أحببتهن كنّ حبيبات رفاقك. وهنّ لن يبادلنك الحبّ طبعاً، بل كنّ يضحكن سراً لهيئتك وهنّ يهمسن في مسمع أصحابك «من هذا الأبله؟»، فيما أنت تكون برفقتهم وتجلس متفرجاً عليهم. لكنك تذوقت طعم الحبّ. كنت تفقه معناه من دون أن تعيشه برفقة إحداهن. تذكرّ ذلك جيداً. أنك لم تجد ضيراً في التضحية. كيف تورّم وجهك من اللكمات بعدما اعترفت بأبوتك لطفل ليس لك. كنت مدفوعاً بحبّ رفيقة صاحبك فحملت وزر فعلتهما. ثم تزوجت بها ورغم مواظبتها على اللقاء برفيقك، بقيت على حبك لها. ثم قامت ذات صباح عاصف وماطر، بتوضيب أغراضها على عجل، قبل أن تهمّ بهجرانك قائلة: «لا أنكر أنك أسديت لي معروفاً. لكني بتّ تعبة من إقامتي معك. بإمكانك أن تحتفظ بالطفل. فقد رعيته أكثر مني لأني كنت منصرفة إلى من أحبّ وما زلت»، ثم ختمت وهي تضحك بحسرة: «وداعاً أيها الايطاليّ!». 
«هيا بنا نغتسل أيها الايطالي الصغير»، قال للطفل ثم حمله متوجهاً إلى الحمام. 
كان فرحاً بطفله الجميل. «عندما تكبر ستصبح وسيماً جداً. ليس مثلي طبعاً، بل كوالدك الحقيقي»، يتحدث إلى الطفل، وهما يقهقهان ويتراشقان بالماء البارد أثناء اغتسالهما. 
كان يتعمد في نهاية كل أسبوع أن يلبس هو والطفل أجمل ما لديهما من ثياب، ثم يخرجا في نزهة طويلة، كانا يمضيان معظمها في السير بمحاذاة البحر، قبل أن يجلس والطفل بجانبه إلى أحد المقاعد الخشبية. يشرد في النسوة مرهف السمع، فتتسلل أصوات طرطقة كعوبهن إلى أذنيه وهنّ يمشين مختالات. تتسع فتحات خياشيمه أثناء استراقه رائحة العطر الذي يخلفنه وراءهن. ثم يروح يشهق ويزفر حتى تمتلئ رئتاه بعطورهن. يفتح أضلاعه لتلك النسمات المشبعة بالأنوثة. 
«هل شممت رائحتهن يا صغيري؟ إنه عطر رائع Meraviglioso Profumo . كلما تنشّقته أتوق إلى المزيد. انتظر بفارغ الصبر نهاية الأسبوع كي آتي إلى هنا. فلا أغادر حتى أجدني مشبعاً. ثم أعود وأعود وأعود». 
لفّ ذراعه حول رقبة الطفل ثم راح يدغدغه. «تعال نفعل كما في كلّ مرة نأتي إلى هنا». حمل الطفل ثم تقدم ليطلّ على البحر. طلب إلى الطفل أن يعدا معاً حتى الرقم ثلاثة. «واحد، اثنان، ثلاثة»، ثم قذفا بالوردة الحمراء إلى البحر. 
«أنصحك عندما تكبر ألا تكرر ما نفعله. لا أعتقد أنك حينها سترتكب مثلي أفعالاً حمقاء. فأنت ستكون وسيماً جداً. انظر كيف تتوقف النساء عن المشي ليمازحنك. Italiano Bello، هيا بنا نعود». 
يستلقي مسترخياً على الفراش ومسنداً ذقنه إلى راحة يده. ينعكس ضوء شاشة التلفاز على بلّور النظارة الضخمة فوق أنفه. «إنها لك أيها الايطالي الوسيم!» يصرخ منتشياً وعيناه مثبتتان إلى التلفاز.