نقطة على السطر
بسّام الطيارة
بدأ العد العكسي لاشتعال المنطقة، والذي ينفي هذا الأمر يكون كمن ينظر ولا يبصر.
إشارة الإنطلاق نحو حرب في المنطقة ليست بارزة فقط في دخول اسرائيل على الخط بالحديث عن «أسلحة كيماوية»، أو التحضيرات الديبلوماسية لتنازلات غربية لـ«روسيا بوتين الجديدة»، أو «ليونة بارزة» في الملف النووي الإيراني، ولا حتى في بدء الحديث عن إحالة الرئيس السوري ومن يحيط به وكذلك الضباط من الصف الثاني إلى المحكمة الدولية وبدء تجميع «الشهادات والبراهين» لسوق رجال النظام إلى لاهاي.
إشارة الانطلاق واضحة من اتفاق جميع القوى المؤثرة على أن الوضع دخل مأزق النفق المسدود وأن حرباً يمكن أن تحرك الوضع. فإذا كانت الديبلوماسية هي «تكملة للحرب بوسيلة أخرى» فإن الحرب اليوم باتت منفذاً للنفق لأنها سوف «تكمل من حيث عجزت الديبلوماسية».
ما هي العوامل التي تقود أزمة (أي أزمة أو صراع محصور) إلى حرب شاملة؟
يشعل عاملان لا ثالث لهما فتيل الحروب: إما خلل في موازين القوى أو الوصل إلى طريق مسدود.
حالة الخلل في موازين القوى قد تقود الأكثر قوة إلى محاولة تسجيل مكاسب سياسية واقتصادية، مغتنماً تفوقه العسكري (احتلال العراق للكويت ١٩٩٠) ولكن أيضاً العسكري الاقتصادي والإعلامي (الحرب على العراق ٢٠٠٣). أما حالة المأزق تقود إلى حيث لا يعود أي حل ممكناً لأسباب قد تتعدد وتكون الحرب كمن «يقلب الطاولة» تحريكاً للوضع الجامد ( حرب أوكتوبر ١٩٧٣).
في بعض الأحيان يجتمع العاملان. توازن القوى يصب في مصلحة فريق فيسعى لتحريك وضع لا يناسبه على المدى المنظور (حرب غزو لبنان ١٩٧٨ و١٩٨٢). وفي بعض الأحيان يكون لدى الفريقين المتنازعين «مصلحة مشتركة» في تحريك الوضع (حرب جنوب لبنان ٢٠٠٦).
بالطبع أياً تكن الحالة فإن «البادئ» في الصراع يعتقد قبل أن يبدأ الصراع بأن ذلك يصب في مصلحته ويسمح له بتحسين موقعه في مرحلة عودة الديبلوماسية وهو ما بات «لازمة»: حرب تليها جولات ديبلوماسية قد تدوم طويلاً… بانتظار حرب جديدة.
في الحالة السورية، نجد أمامنا كل هذه العوامل مجتمعة والتي تأتي بعد جولات ديبلوماسية دامت سنة ونصف ومسبحة القتلى تكر بلا توقف والنزيف مستمر.
ويبدو أن جميع «اللاعبين» باتوا يرون في الحرب حلاً لوقف النزيف ولإنهاء الصراع.
الأسد بدأ بالقمع لإنقاذ نظامه ولا يرى ضيراً من توسيع رقعة العنف لتصبح حرباً في محاولة أيضاً لـ«إغراق الوضع» وإنقاذ نظامه.
المعارضة بدأت سلمية وأمام معاندة النظام وقمعه تطورت لتصبح مسلحة خصوصاً بعد تدفق السلاح عليها من كل حدب وصوب.
الأمم المتحدة لم تعد تتردد بوصف ما يحدث على الأرض السورية بأنها حرب أهلية.
الغرب الذي يطالب بتغيير النظام يرى في الحرب تسريعاً للخلاص من النظام ولوقف وصول صور المذابح والقتال إلى منازل مواطنيه خلال العطلة الصيفية، وأوباما لم يعد قادراً على انتظار مرور قطوع الانتخابات الرئاسية للتحرك. دافييد كاميرون وأنغيلا ميركل في نفس الوضعية. أما فرانسوا هولاند فالانتخابات باتت وراءه ويستطيع التحرك كما يريد.
روسيا في مأزق أيضاً ولم تعد تستطيع الدفاع عن بشار الأسد وترى في أي حرب إمكانية «تغيير من دون تغيير» في حال دعمت الجيش وتخلت عن عائلة الأسد. ويبدو أنها أقنعت الصين بضرورة «فقع الدملة».
قطر والسعودية لا يناسبهما استمرار الصراع بتلك الوتيرة التي تسلط الأضواء على دورهما، ويفضلان الذهاب إلى الحرب للانتهاء بسرعة من الأزمة.
اسرائيل بعد تردد طويل لم تعد تتخوف من وصول إسلاميين (وكذلك الحال في واشنطن) ويبدو أنها أخذت تطمينات حول مصير «الأسلحة المتطورة» وضمانات بأنها لن تقع في أيدي أعدائها.
تركيا ترى أن الصراع يمكن أن يتمدد إلى «حالتها الكردية» في حال دام طويلاً وأن «العفونة» في المنطقة يمكن أن تحيي آمال الأكراد بحل على مثال كردستان العراق، وترى من الأفضل إنهاء الأزمة بحرب تظنها سريعة.
حزب الله في وضع مشابه للوضع الروسي والصيني ولم يعد يستطيع دعم نظام الأسد بعد تحوله إلى آلة قمعية بغض النظر عن الأسباب لهذا التحول، وأي حرب تذهب بعائلة الأسد وتبقي النظام يناسبه بشكل كبير.
أما إيران فهي أيضاً بعد أن حصلت على تنازلات «لم يكشف عنها إعلامياً» ولكنها ظاهرة بين السطور، ترى أن أفضل طريقة لإنهاء «التوتر في بلاد الشام» حرب تسمح لها بالتصدي بقوة «ولكن من بعيد» والتشدد في مطالبها بدور إقليمي بدعم روسي يمكن أن يقود نحو «إبقاء نظام حليف في الشام».
يأتي كل هذا وهذه الحرب في سياق «ربيع عربي».
السؤال الذي يبدو أن أحداً لم يطرحه في هذا السياق وهو: «بعد سوريا على من الدور؟»