- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوريا: أجواء “المدن المحررة”

قارة (القلمون) – صبر درويش
على امتداد جبال القلمون القاسية، الواقعة إلى الشمال من العاصمة دمشق، والممتدة غرباً حتى الحدود اللبنانية، تتناثر مدن وبلدات سوريّة، تضج بالحراك الثوري، مدن يصح أن نسميها بالمدن المحررة، كيبرود وقارة، رنكوس وعسال الورد ومدينة النبك التي هي في طريقها إلى التحرير.
قادتنا رحلتنا إلى بلدة قارة، إحدى مدن القلمون الثائرة؛ قارة بلدة يقطنها حوالي الخمس وعشرين ألف نسمة.
لا شيء يشير في المدينة إلى أن “كتائب النظام مرت من هنا”، لا بيوت مهدمة، وكل شيء هادئ، يخرج المتظاهرين، يتجمعون في أحدى ساحات البلدة، يهتفون ملأ حناجرهم للحرية، ويعودون إلى منازلهم من دون ضحايا. ثلث المتظاهرين من الأطفال، والجميع بدون استثناء يحفظ الهتافات والأغاني الثورية عن ظهر قلب. يتنافسون جميعاً للوقوف في المقدمة أمام المغني، أو لحمل علم الثورة الكبير؛ ويتحركون في ضجيج قلّ نظيره، حتى ليكاد المرء يخال نفسه في عرس أو عيد لا في مظاهرة،

وهذه إحدى مميزات المدن المحررة.
يرفض ابو محمد، وهو أحد أبرز الناشطين في البلدة، سؤالي حول تاريخ التحاق قارة بالثورة. فهو يصر على أن حراك المدينة الثوري بدأ قبل الخامس عشر من آذار/مارس العام الماضي، ولديه الأدلة على ذلك، يقول: «كان لدينا منذ عام 2009 موقع الكتروني اسمه: “الطحليجة”، ومع انطلاق ثورة تونس تم تنشيط الموقع، واستخدم في البداية كوسيلة للتحريض على الثورة، وفي منتصف شباط من العام الأول للثورة، ساهم الموقع في نشر الدعوة الأولى للتظاهر، إلى جانب ذلك، فإن شباب البلدة ومنذ ذلك الوقت قاموا بكتابة الشعارات المناوئة للنظام على جدران المدينة، متحدين بذلك السلطة الأمنية».
أول مظاهرة خرجت في المدينة وموثقة بالفيديو، كانت في الخامس والعشرين من أذار/مارس العام الماضي، سبق المظاهرة حادثة لابد من الإشارة إليها.
في تلك الأثناء، كانت الأحداث في بدايتها، والبلدة كانت ماتزال مترددة في الخروج للمشاركة في المظاهرات، ما دفع بأحد الشبان بعد صلاة يوم الجمعة لاعتلاء منبر الجامع، ويروي لنا ابو سامر وهو شاب في الثلاثينات من عمره، خريج كلية الهندسة، متزوج ورب أسرة: «بعد أن أنهى خطيب الجامع خطبته، اعتليت المنبر وأخذت الميكروفون، وصرخت بأعلى صوتي: حرية. كنت متأثراً بما يجري في درعا، كنت أرى دمّ إخوتي يسيل في الشوارع، ونحن هنا جالسين، فصعدت ودعوت الناس للخروج إلى الشارع للتظاهر؛ فما كان من إمام الجامع إلا أن حرض أعوانه عليّ، فقاموا بضربي وإخراجي من
الجامع؛ وتم اعتقالي بعد ذلك من قبل أحد الفروع الأمنية، حيث قضيت ١١ يوما في التحقيق وخرجت بعد أن تعرضت لتعذيب شديد».
بعد هذه الحادثة، بدأت البلدة تدريجياً بالخروج  في المظاهرات، واتخذ الناشطون قراراً بمنع إمام الجامع من أن إمامة المصلين بعد تلك الحادثة: المدينة كانت قد اتخذت قرارها بالانضمام إلى ثورة الأهالي في باقي المدن الثائرة.