- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لا حرب أهلية في لبنان

طانيوس دعيبس

يعيش لبنان دون شك أزمة كبيرة هذه الأيام . وتتهدده بالفعل مخاطر ، أمنية وعسكرية بالأخص . لكن ذلك لا يسمح بالإستنتاج أننا على شفير حرب أهلية . فشروط نشوب هكذا مواجهة مسلحة غير متوفرة ، والواقع السياسي المأزوم القائم لا يحتمل تأ ويله بهذا الإتجاه .
اختلف هنا طبعاً مع العديد من السياسيين والمحللين في لبنان وخارجه ، وبعضهم ذهب إلى حد الحديث عن سيناريو شبيه بذاك الذي أحاط بنشوب الحرب اللبنانية العام 1975 . وباعتقادي ان اللبنانيين على اختلاف قواهم وتعبيراتهم السياسية والطائفية دخلت عليهم متغيرات لا تسمح بهذه المقاربة ، والأمر نفسه يمكن أن يقال عن الفلسطينيين ، تنظيمات وقدرات ومرجعيات قيادية مقررة ، فضلاً عن إقرار الجميع بأن موازين القوى الإقليمية والدولية باتت في عالم آخر لا يشبه من قريب أو بعيد عالم الربع الأخير من القرن الماضي . وأمّر سريعاً على هذا الأمر ، مع إشارة إلى ان العامل الفلسطيني في الأزمة اللبنانية ، الذي كان واحداً من فاعليها الرئيسيين في حرب ال75 ، ليس اليوم سوى عامل هامشي في أزمتنا الحاضرة ، ولا قدرة له على التأثير في مساراتها ، وهو أمر كبير الإيجابية بالنسبة للطرفين ..

يستند التحليل القائل بإمكانية نشوب حرب أهلية في لبنان ، والبعض يسميها فتنة ، إلى الإنقسام الحاصل بين اللبنانيين حول الحدث السوري . والسؤال الحقيقي هنا هو عن العامل الخارجي وفعاليته في توجيه الصراع السياسي الليناني المستفحل ، بهذا الإتجاه أو ذاك ؟ وصولاً إلى السؤال عن قدرته على الدفع نحو حرب أهلية بين اللبنانيين ؟
الجواب الأولي ، الخاضع للنقاش بالتأكيد ، هو أن العامل الخارجي لم يعد فاعلاً في تقرير مسارات الأزمة الداخلية اللبنانية ، أو على الأقل لم يعد بالفعالية ذاتها . تراجعت قدرته موضوعياً ، بغض النظر عن رغباته أو رغبات الفاعلين المحليين باستخدامه . لقد انتقلت مراكز الثقل على الخريطة الإقليمية إلى أماكن لم تعد الجغرافيا اللبنانية مفيدة لها ، او أن فائدتها أصبحت ثانوية ومتدنية . في العام 1975 تقاطعت الرغبات في لحظة سياسية مناسبة على جغرافيا كانت تتمتع بأعلى فائدة متوفرة . أما اليوم ؟ !
اليوم ، يقول مرجحو أسباب التصادم الأهلي ، إن الجغرافيا اللبنانية صالحة لإستثمار فوائد الصراع السني – الشيعي ، وأن انتقال مراكز الثقل في المواجهة في المنطقة ، لا يلغي هذه الحقيقة . وأن الحدث السوري ينشئ ظروفاً مؤاتية لتسخين هذا الصراع .
طبعاً لهذا الإستنتاج منطقه الموضوعي ، وتبريراته المعززة ربما بالدلائل . لكنه غير كاف لترسيخ القناعة بأنه حتمي . أولاً لأن لبنان مثلث الأضلاع مذهبياً . ثانياً لأن تاريخ الصراع في لبنان ليس دينياً ، بل هو صراع سلطة ومحاصصة طائفية . ثالثاً لأن الطرفين المعنيين بالمواجهة لا يريان مصلحة فيها ، إذ ليس من شيم السياسة الإنتحار . وفي كل حال ، كل المعطيات تشير حتى الآن إلى عقلانية المقاربة .

السؤال الذي يمكن ( فقط يمكن ) طرحه اليوم بشكل معكوس هو التالي : انحسار الحاجة إلى الجغرافيا اللبنانية ، أو فلنقل عدم تقاطع حاجات الخارج المتعدد إلى هذه الجغرافيا ، ألا يجعل العامل الداخلي اللبناني أكثر قدرة على التحكم برغبات هذا الخارج ؟ أياً كان ؟ ومهما تكن رغباته ؟ بكلام آخر ، ألم يصبح الداخل اللبناني أكثر حرية في التجاوب أو عدمه مع رغبات الخارج ؟ هل يمكن ، بفعل الإختلال الذي بدأ يصيب المعادلة الذهبية التي رعت حتى الآن توازنات الداخل اللبناني ، أي معادلة إرتهانه إلى الخارج وتوازناته ، أن تبدأ القوى السياسية اللبنانية بإسم ” الوطنية اللبنانية ” أو مجرد الحس السليم ، في رسم سقوف جديدة لعلاقاتها مع الخارج ؟ هل يمكنها الصمود بوجه هذا الإختلال الآخذ بالتزايد بفعل التحولات الجارية في الإقليم ؟

الإنقسام بين اللبنانيين قائم قبل الحدث السوري وثورات الربيع كلها . وهو ، في نسخته الأخيرة التي سبقتها نسخات ، نتاج التحوّل التاريخي الذي حصل في العام 2005 . مفاعيل هذا التحوّل لا تزال قائمة ومستمرة . موازين القوى الداخلية تتحكم بالصراع اللبناني– اللبناني بنسبة غير مسبوقة. وما يحصل حول لبنان وفي المنطقة يعزز هذا المسار وليس العكس .

المشكلة في لبنان ليست تهديد الحرب الأهلية . إنها في اهتراء الدولة . في ابتزال السياسة من قبل قواها . وفي الإجابة الهادئة على سؤال صعب وساخن ربما : هل ما يزال باستطاعة النظام السياسي الطائفي في لبنان أن يعيد إنتاج تسوياته ؟