- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“بنت البلد”… أزياء حديثة بلمسة التراث الفلسطيني

بيت لحم ــ فادي هاني

خولة الطويل

خولة الطويل

نشأت في أسرة لم يكن فيها للوالد حضوراً كبيراً، ذلك أنه كان معتقلاً لفترات طويلة في سجون الاحتلال لثلاث مرات إبان الانتفاضة الأولى. كانت الحياة صعبة للغاية، وكانت الأسرة تعتاش من تربية الدواجن، والزراعة، وبيع الفاكهة. هكذا تربت “بنت البلد” وسط ثلاث أخوات وأخ كان أصغرهم، وكانوا جميعاً طلبة مدارس، ما زاد حياتهم صعوبة.
ما أن أنهت دراستها الثانوية حتى التحقت بأول معهد للأزياء في الأراضي الفلسطينية، ما كان يعتبر شيئاً شديد الغرابة، لكنها أصرت على وجود موهبة، وأرادت صقلها بكل الطرق الممكنة، مبقية على فلسطينيتها أمام أعينها حتى في هذا العمل الفني البحت، الذي يجب أن تواكب فيه تطور العالم وأزيائه وألوانه، بينما تريد لهذه الأزياء أن تلبس في مجتمع فلسطيني محافظ.

“بنت البلد” هي خولة الطويل، مصممة الأزياء الشابة التي التقتها “أخبار بووم” في معملها الصغير وهو عبارة عن غرفة لا تزيد عن عدة أمتار، بنيت فوق سطح المنزل، لأنها لا تمتلك امكانيات افتتاح دار للأزياء بمعناها الحقيقي، وهي متزوجة ولها ثلاثة أطفال.
غرفتها أو عالمها الصغير هذا لا يحوي أكثر من ماكنتين للخياطة، وطاولة لقص الأقمشة، وعدة رفوف لعرض ما صممته من أزياء.
حدثتنا خولة عن تجربتها، وكيف كانت خائفة في الدخول لسوق فيه الإرث التراثي غني جداً، لكنه للأسف ومع تطور الحياة والأزياء خاصة للفتيات، أصبح الزي التراثي الذي عرفت فيه فلسطين بأثوابها المطرزة بكل الألوان أمراً شبه مفقود في المجتمع، حتى في المناسبات الخاصة جداً.
أرادت خولة أن تعيد للتراث رونقه عندما كان في عصره الذهبي، فبدأت بتصميم أحدث الملابس بحسب الموضة العالمية، لكن مع إدخال اللمسة الفلسطينية عليها، ما يمكن أي فتاة فلسطينية أو إمرأة من لبس هذه الأزياء، التي تحوي لمسة “التطريز” اليدوي، مستعينة بذلك ببعض النساء اللاتي لا زلن يعملن في هذا المجال، لكسب رزقهن وقوت عائلاتهن.
كانت فرحتها عارمة عندما أحست بقبول مجتمعها الصغير، ومن حولها من صديقات ونساء، فكرة الأزياء التي نفذتها، وكانت أكثر سعادة عندما بدأت تبيع بعض القطع التي أنتجتها، خاصة المتعلقة بأثواب “الحناء” التي أصرت على إعادة انتاجها بطريقة محدثة، ما جعل معظم الفتيات اللاتي على وشك الزواج يطلبن تصاميم خاصة لهن كل بحسب رغبتها وما يناسبها.
تستذكر خولة عندما دعيت لتقديم “فقرة” لعرض الأزياء ضمن إحدى فقرات حفل ثقافي فني خاص في إحدى ليالي شهر رمضان في مدينة رام الله، ورغم خوفها الشديد من عدم تقبل من سيحضر للفكرة، وخاصة أن الحضور سيكون من كافة الأعمار والخلفيات الثقافية والاجتماعية في البلد، إلا أنها أصرت أن تعرض ما هو متعلق بالتراث الفلسطيني بشكله الحديث.
كان الجمهور متفاجئاً، تقول خولة، مع بدء ظهور العارضات من الشابات الفلسطينيات، لكن الصدمة كانت عندما رأوا ثوب العروس الأبيض وهو يحمل “تطريزاً فلاحياً” مصنوعاً يدوياً، ليبدأ تصفيق حار، وتظهر الابتسامة من وسط الاندهاش ، ما جعلها ترتاح قليلاً وتؤمن بنجاح تجربة كانت الأولى في فلسطين بتحديث التراث في مجال الأزياء.


لم تتوقف ابتكارات مصصمة الأزياء الفلسطينية على الفساتين، بل تعدتها إلى أقمشة “الجينز” وابتكار أشكال من حقائب النساء بكافة أشكالها وألوانها مدخلة عليها التطريز ليتناسب مع كل ما قد تفكر به المرأة في يومها العادي، خلال العمل أو في المنزل، أو في مناسباتها خاصة.
أكثر ما يؤرق خولة في عملها، هو الحصول على الأقمشة شبه المفقودة في السوق الفلسطيني من حيث التنوع والجودة، لكنها متوفرة بكل الأنواع والألوان في السوق الإسرائيلي “المغلق” بالنسبة لها، كونها لا تحصل على تصريح من الاحتلال بالدخول إلى هناك وشراء ما يلزمها، فتضطر أحياناً للتعامل مع ما هو موجود، أو التوجه إلى الأردن رغم كلفة الرحلة وعنائها حتى ولو كانت ليوم واحد.
خولة قالت لنا كم تخسر من طلبات فردية أو طلبيات لمدارس ومؤسسات فقط بسبب عدم إيجاد الأقمشة المناسبة لما تريد تنفيذه، تتحدث وكلها حرقة عما يتاح لمصممي الأزياء العرب بشكل خاص، ويحرم منه مصمم الأزياء الفلسطيني لأنه يريد أن يبدع وسط عالم مغلق تماماً، فرض واقعه الاحتلال الإسرائيلي على أي نوع من الإبداع الفلسطيني.
“حلمي هو العالمية” تقول خولة، وأن أستطيع الوصول لسوق مفتوح كل شيء فيه متاح، بدون تعقيد أو تقييد، فيه كل ما يلزم لهكذا مهنة، أن أحصل على فرصة واحدة أستطيع فيها عرض ما ابتكرته من أزياء في إحدى عواصم الأزياء العالمية، رغم عدم علمي بكيفية تدبر تكاليف مثل هكذا حدث، حيث أهميته المعنوية بالنسبة لي أكثر من المادية.

هي صرخة إذاً لخولة الطويل، الفنانة الفلسطينية الشابة، التي لا تحلم بالمستحيل، بل جل ما تريده هو فرصة، ليس فيها احتلال، ولا حواجز، ولا نقص بالأقمشة، بلا جدران، ولا تحتاج فيها إلى تصريح لتدخل النصف الآخر من بلدها، بل سوق مفتوح قد يفتح لها أفقاً جديداً ويوصلها إلى المزيد من الإبداع.