- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الأمن سياسة

طانيوس دعيبس

هل أن الأمن أمن ؟ ام أن الأمن سياسة ؟
وهل السياسة هي مواقف وسياسات ومشاريع القوى والأحزاب والتكتلات والطوائف ؟ أم أن السياسة هي تسويات وطنية كبرى، تحت سقوفها تتصارع كل تلك التشكيلات بتعبيراتها المختلفة والمتنوعة والمتناقضة ؟
مشكلة الأمن في لبنان هي في أن اللبنانيين لم ينتجوا تسوياتهم الوطنية الكبرى بعد. وهم لا يزالون يعيشون في دولة يعتبرونها قيد الدرس . وهم يخضعون درسها من جانبهم لمنطق موازين القوى والغلبة والغزوات المتقابلة .
أنجز اللبنانيون اتفاق الطائف تحت الضغط . ثم تحينت كل فصيلة منهم الفرص للإنقضاض عليه مداورة أو بالتكافل والتضامن . ولم يستقم صراطهم مرة واحدة طيلة السنوات الثلاث وعشرين التي مرت على عمر الطائف ، على فكرة مصيرية إنجاز مشروع الدولة .
لذلك ، وبطبيعية مشينة ، وبتجرؤ على الحس السليم لا مثيل له ، يسود لدى العديد من الزعامات والقيادات خطاب الإلغاء وخطاب التحريض وخطاب التهديد ، في عملية اغتيال معنوي للخصم الذي يُدفع دفعاً إلى مرتبة العدو من دون وجل أو تردد .
وهكذا، عندما تسعى إلى قتل رمزية خصمك السياسي بكل الوسائل ، كيف تعود وتستهجن اندلاع مريديك في الشوارع مع دواليبهم في كل حين، ولأتفه الأسباب في بعض الحالات ؟ !
المشهد المفيد في مقارنته الأسبوع الفائت كان في مكانين فصلت بينهما الطرق المقطوعة : طاولة “الحوار” وطاولة مجلس الوزراء . لم ينتبه أحد للأولى الموجود حولها كل الأباطرة . وانتبه الجميع للثانية حين استدعت قادة الأمن ومارست دور السلطة . لا يجب أن يفهم من هذا الكلام رفضاً لإلتآم الطاولة الأولى ، ففيه فائدة من دون شك . المقصود هو الإشارة إلى الدور . دور الأولى فاقد لمعناه، لأن المشاركين فيها ليسوا راغبين بالتفاوض ، ولا هم متفقون على شروطه ، وجلّ همهم منه هو “الصورة” على حد جرأة واحدهم بالقول ( وللحديث صلة ) .  دور الثانية هو دور المرجعية الواضحة في اتخاذ القرار ( الدستورية لمن شاء التذكّر ) . وعندما تقول الدور ، تقول الفعالية . وعندما تقول المرجعية الدستورية ، تقول المحاسبة . لا أحد يستطيع أن يحاسب طاولة “الحوار” ، ولكن الكل يستطيع محاسبة مجلس الوزراء . بما في ذلك الإعلام ، الذي كان من الغريب عدم تحركه الجماعي بوجه الإعتداءات عليه ( ولهذا الحديث أيضاً صلة ) .
كيف تفيد هذه المقارنة ؟ أقله في الكشف عن أن الغطاء السياسي المفترض أن تكون طاولة ” الحوار” قد أمنته للدفع نحو الإستقرار ، لم يكن فاعلاً ، بفعل ما اندلع بعد انعقادها مباشرة وعشية الشهر الأمني الذي قال وزير الداخلية أنه ليس شهر تسوّق . وفي التدليل على أن فعالية القرار في مجلس الوزراء تخضع للإعتبارنفسه بما خصّ الغطاء ورفعه أو السماح بالتستر تحته لكل قاطع طريق ، وليس فقط طريق المطار بالمناسبة ، فخلق الله يسلكون غيرها إن تعلمون !
الأمن سياسة . ليس على طريقة وزير يخاطب السياسيين وكأنه ليس واحداً منهم ، فالوزير على ما نعلم منصب سياسي . بل على طريقة تحميل مسؤولية الأمن للسياسة. والسياسة تبدأ من مجلس الوزراء .