- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مراحل احتيالية وثورات “لايت”

جمانة فرحات

أحد العقلاء اليمنيين ممن قدم نجله قرباناًعلى مذبح ساحة التغيير في صنعاء للخلاص من نظام الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، اختصر ما يجري في اليمن في الآونة الأخيرة بمصطلح “المرحلة الإحتيالية”. وبعدما أوضح أن المرحلة الإنتقالية هي المرحلة التي تعقب مباشرة تحقيق الثورة الشعبية السلمية لهدفها الإجرائي الاولي، المتمثل بإسقاط النظام المثار عليه، اعتبر أن “القول بإننا في مرحلة إنتقالية هو قول مضلل، على اعتبار أنها تخلق شعوراً زائفاً بأن الثورة قد حققت هدفها الإجرائي… والأمر ليس كذلك، في الواقع”. وأضاف “وللتدليل على ذلك يكفي أن نلاحظ أن الثورة لم تحقق اي اختراق على صعيد الأجهزة الأمنية، التي هي اصلا قاعدة النظام ونواته الصلبة. حتى أن العديد من شباب الثورة لا يزالون قيد الإختفاء القسري اللاطوعي بفعل هذه الأجهزة حتى اللحظة. ومع أن هذا ليس كل شيء، الا انه يكفي لنسأل: عن أي مرحلة إنتقالية يتحدثون؟”.

هذا التوصيف لما آل اليه الوضع في اليمن بعد أكثر من عام ونصف من الاحتجاجات والتجاذبات يمكن تعميمه على مختلف الدول العربية التي تشهد احتجاجات، وبشكل خاص مصر وليبيا.

صحيح أن الثورة المصرية قد نجحت للمرة الأولى في منع تزوير الانتخابات، إلا أن صلاحيات نظام الرئيس المخلوع لم تقل بل على العكس من ذلك. وتحت شعار المرحلة الانتقالية تحديداً، نجح المجلس العسكري في الاستحواذ على صلاحيات رئيس الجمهورية، وحصّن نفسه في مواجهة المحتجين. مانحاً لنفسه صفة الضابطة القضائية، وممعناً يوماً تلو الآخر في تشويه صورة المحتجين.

أما القوى الأمنية، وبعد أن كانت الأيام الأولى التي تلت الثورة تشهد غياباً لعناصرها خوفاً من غضب المحتجين، بعدما امعنت على مدى عقود في اذلالهم، قد عادت الروح إليها رويداً رويداً على مدى الأشهر الماضية. وجاءت قرارات التبرئة التي أصدرها القضاة المكلفون محاكمة كبار ضباط أمن الدول بتهم قتل المتظاهرين لتثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لم يسقط سوى رأس النظام، بينما النظام نفسه ببنيانه العسكري والأمني لا يزال متجذراً ومن غير المرجح أن يؤدي اختيار محمد مرسي لرئاسة الجمهورية إلى أي تبديل آني للوضع.

ولعل أبرز دلائل استمرار النظام السابق، الدعم الذي لقيه المرشح الخاسر أحمد شفيق بالرغم من وجود قضايا مرفوعة ضده، ليس فقط بسبب موقعة الجمل، بل بسبب قضايا الفساد التي تورط فيها، من دون أن يتجرأ اي قاض على اصدار حكم ضده تتوافر فيه ادلة قطعية. هذا الدعم أثبت المجلس العسكري أنه مستعد للتخلي عنه في مقابل ضمان استمراره في الحكم.

أما الذين يدفعون الثمن، فليسوا سوى المحتجين الذين كانوا أول المبادرين بالخروج إلى الشوارع للمطالبة باسقاط النظام. ولكن هذا الثمن قد يكون مستحقاً من قبل المحتجين، بعدما فشلوا في التكتل بشكل قوي وموحد لتعبئة الفراغ السياسي ابان الثورة، تاركين للقوى العسكرية والسياسية التقليدية، أن تقطف ثمار تضحياتهم باسم المرحلة الانتقالية.

أما في ليببا فالوضع أكثر خطورة. فمقتل الزعيم الليبي معمر القذافي إلى جانب كبار مسؤوليه أو اعتقالهم، جعل أشخاص النظام يولون إلى غير رجعة، لكن النظام بممارساته الاقصائية والقمعية، بقي وإنما بوجوه جديدة. وباسم المرحلة الانتقالية، يتم تكميم أفواه المعارضين، ونهب المال العام دون حسيب أو رقيب. وباسم المرحلة الانتقالية أيضاً سمح بطفرة للميليشيات المسلحة، التي باتت الانتهاكات المرتكبة من قبلها بحق معارضيها تعادل ما كان يقوم به نظام معمر القذافي نفسه. أما المجلس الانتقالي المكلف ادارة المرحلة الانتقالية مع الحكومة، فيبدو كمن لا حول له ولا قوة في مواجهة المسلحين وتقاتلهم على كعكة السلطة وتكاد شكواه تستدعي الشفقة من ما آلت إليه أوضاع البلاد.

ولعل الدرس الذي لا بد من عدم اغفاله في هذه اللحظة الحرجة في مصير الدول العربية، أن التحركات الاحتجاجية الشعبية، ما لم تترافق مع رؤية واضحة للمستقبل وتمتلك الأدوات المطلوبة لتجقيق أهدافها، فإنها لن ترقى إلى مستوى الثورات الجذرية، لتنتج في نهاية المطاف مراحل احتيالية وثورات “لايت”.