- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الحوار من الحذاء الى السلاح

نجاة شرف الدين

عندما رمى منتظر الزيدي الصحافي العراقي في قناة البغدادية حينها، بحذائه على الرئيس الاميركي السابق جورج بوش أثناء عقده مؤتمرا صحافيا في بغداد مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في 14 كانون الأول/ديسمبر من العام 2008، فاجأ العالم بهذه اللقطة الإعلامية، وبدأ التداول بها على المواقع الالكترونية، فكانت سابقة في المشهد السياسي الدولي وشكلت مادة للنقاش الاعلامي، بدءا من الاحتلال الاميركي للعراق وصولا الى المواقف العربية ولا سيما العراقية من الوجود الاميركي، مرورا بحملات مناصرة لعمل الصحافي العراقي، حتى أن إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية عرضت عليه حينها أن يعمل في المحطة كصحافي، مكافأة له لعمله الذي ” فش خلق العرب الغاضبين ” في ذلك الوقت، من المواقف الاميركية ليس فقط في العراق وإنما الداعمة لإسرائيل في جرائمها ضد العرب.

هذا المشهد حينها فتح الباب أمام مواقف مماثلة، لم تقتصر على العرب الذين يعتبرون الضرب بالحذاء من أقوى الاهانات، بل وصلت الى الغرب، كما حصل في أوسلو في أيار الماضي، عندما أقدم أحد أقرباء ضحايا مجزرة النرويج، على قذف المتهم بالجريمة بالحذاء مقاطعا جلسة المحاكمة، وصرخ في قاعة المحكمة ” لقد قتلت أخي، إذهب الى الجحيم ” واللافت ما أعقب ذلك، حيث قام الحضور في الجلسة بالتصفيق الحاد. هذه المواقف الغاضبة من زعيم سياسي أو موقف سياسي،وصلت مؤخراً الى غضب من الاعلام نفسه، كما رأينا عندما قام أحد الاشخاص في سوريا، بضرب مراسل التلفزيون السوري “شادي حلوة” بالحذاء مباشرة على الهواء أثناء قيامه بنقل رسالة مباشرة من مدينة حلب.

هذا الغضب الذي كان حتى الأمس القريب، يتم التعبير عنه بضربة حذاء أو بضربة كرسي وبعض الشتائم من حين لآخر، كما حصل في البرامج التلفزيونية مؤخراً، إن في برنامج الاتجاه المعاكس في الجزيرة، حين جرى عراك بين الصحافي اللبناني جوزيف أبو فاضل والمعارض السوري محي الدين اللاذقاني على خلفية الموقف من النظام السوري، أم في برنامج ” بموضوعية ” على شاشة ” أم.تي.في” اللبنانية بين الوزير السابق فايز شكر والنائب السابق مصطفى علوش وأيضاً على خلفية الموقف من الاحداث في سوريا، فإن المشهد الاعلامي التلفزيوني العربي ينقل تصاعد اللهجة السياسية وحدتها بين مختلف الأطراف السياسيين بتظهير الموقف السياسي الذي يصل الى حد الاتهامات بالعمالة وإلغاء الآخر أو القضاء عليه.

وفي ذروة الجدال السياسي اليومي على خلفية المشهد السوري الدموي والسياسي، برز تطور في المشهد الاعلامي التلفزيوني تجاوز حد العراك والضرب بالاحذية ليصل الى سحب السلاح على الهواء مباشرة، حيث لم يكتف النائب الاردني محمد الشوابكة بضرب النائب السابق منصور مراد بحذائه، على الهواء مباشرة، أثناء حوار سياسي في برنامج ” قضية على الهواء ” الذي تبثه قناة ” جو سات ” الفضائية بل سحب مسدسه وهدد به مراد، وسبق ذلك قول الشوابكة لمراد : “انت عميل سوريا وتساوم على الاردن والاردنيين”، فرد عليه مراد: “انت عميل للموساد وحرامي”، ثم ألقى الشوابكة حذاءه بوجه مراد ومن ثم شهر مسدسا وتهجم على مراد.

مما لا شك فيه أن مشهد السلاح على الهواء وفي الاستديو، لا سيما التهديد بالقتل مباشرة، شكل مادة للنقاش في كافة مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الاعلام، وهو أعاد طرح مسألة التعاطي بين الاعلام والسياسي، في ظل ما نعيشه من حالات غضب وسقوط للمؤسسات مقابل حالات صعود لشريعة الغاب التي يسود فيها قانون القبائل والقوة المتمثلة بالسلاح في وجه الكلمة والحوار، فهل نحن أمام مرحلة سوريالية لدرجة ان نتمنى ان تبقى حدود التعبير بالحذاء كي لا نصل الى السلاح ؟ وألا يعتبر التعبير عن الغضب عبر إستعمال السلاح لفرض الرأي على الهواء تحريضا للآخرين للقضاء على الرأي الآخر ؟ وبعد هذا وذاك عن أي حوار نتحدث ؟ !