- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

كأنها لا تدور !

طانيوس دعيبس

لا فعالية لطاولة الحوار لأنها تشتغل على أساس أن الدولة غير ناجزة في مشروعها، وبالتالي فإن مؤسساتها لا تصلح لما تقوم به القوى المشاركة فيها، وإن كانت هذه القوى هي ذاتها الممثلة في مؤسسات الدولة، ومنها مؤسستا مجلس الوزراء والمجلس النيابي.
تغيير مفهوم طاولة الحوار يصبح ضرورياً في هكذا حال.. فالملتقون حولها لا يفعلون ذلك من أجل التحاور.. ولا بالتأكيد من أجل التفاوض، حتى ولو بدا أنهم أقرب إلى التفاوض منهم إلى الحوار، لأن ما يظهر في الأداء هو ان كل طرف يريد تحديد شروط الإستسلام على الآخر، وليس البحث معه عن تسوية تؤسس لعمل سياسي ديموقراطي طبيعي تحت سقف الدولة.
إلاّ ان هذا التغيير لم يحن أوانه بعد. إن كان باتجاه المؤتمر التأسيسي الذي تحدث عنه أمين عام حزب الله، أم باتجاه البحث بكيفية استكمال تطبيق اتفاق الطائف الذي تدعو إليه قوى 14 أذار، أو حتى البحث بالعقد الإجتماعي الجديد الذي يشير إليه تكراراً البطريرك الماروني.
القوى السياسية في لبنان ليست جاهزة لهذا الحوار. ولم تكتسب حرية الحركة اللازمة للإمساك بأدواته. لا تزال رهينة لإرتباطاتها بالخارج، ولا تزال في الوقت ذاته مراهنة على تحولاته. ما تفعله هو الإكتفاء بإدارة الأزمة يوماً بيوم. او بالأحرى إدارة خلافات أطرافها الجزئية، التفصيلية، عجزاً عن إدارة جوهر الخلاف وعناوينه الكبرى.. عجزاً ؟ تأجيلاً على الأصح. فهم، عن قصد، أو بعضهم على الأقل، يؤجلون مواجهة إستحقاقات التسوية الداخلية، بانتظار تبلور مسار الأزمة في سوريا. قبل ذلك كان انتظار تبلور مسار الأزمة العراقية. وبعد ذلك سيكون انتظار مسار التغيير في دول الثورات. وربما انتظار ما سيؤول إليه وضع تومبوكتو حيث يدمّر التاريخ باسم استرجاعه. عندنا هناك من يريد تجميده، والتصرف كأنها لا تدور !
المعنى الوحيد لهذه الرغبة بالتأجيل هو اللعب على فكرة موازين القوى في البحث عن التسوية.. كل طرف أو تجمّع أطراف، ينتظر رجحان الميزان لمصلحته ليحسم التسوية وفق رؤاه. وسوف يطول الإنتظار. فميزان قوى الداخل لن يتأرجح بمجرد حدوث تغيير في سوريا، مهما كانت طبيعة هذا التغيير. ثم أنً، وهو الأهم، من قال أن تسوية وطنية كبرى كالتي يحتاجها لبنان يمكن أن تقوم على أساس موازين القوى ؟ فهل تُرهن التسويات التاريخية لمزاج موازين القوى المتغيّر ؟
القوى السياسية على اختلافها لا تفتّش عن هذه التسوية. بعض الإرهاصات من هنا وهناك، نتيجة تجرؤ بعض المتنورين من هنا وهناك، لم تؤت ثمارها. ومرت مرور الكرام. المبادرات الخجولة والمتباعدة والتي لم تتابع جدياً، لم تكن نتاج مشاريع فعلية. كانت في التكتيك وليس في الإستراتيجيا. كانت، في معظمها، لإرباك العدو، وليس لإقناع الخصم.
مشهدان أيضاً الأسبوع الفائت : في بدارو محاولة اغتيال النائب بطرس حرب، وفي ساحة النجمة اشتباك سياسي حول مياومي عمال شركة الكهرباء. محاولة الإغتيال حركّت 14 أذار، وهو اضعف الإيمان. المياومون حركّوا جميع الجبهات السياسية، وخلطوا حابلها بنابلها. تجمعت كتلة هجينة من 14 و8 من جهة ( طابعها مسيحي بالإجمال )، تقابلها كتلة هجينة من 14 و8 ( طابعها مسلم بالإجمال ).. كانها لا تدور !
في المشهد الأول انكشاف الدولة على مخاطر سياسة التأجيل.. في المشهد الثاني إنفضاح السياسة.