بدأت أزمة الديون في الدول الأوروبية تنعكس على وضع المصارف الكبرى إلى جانب الخلل الذي أفرزته الأزمة المالية. ويرى بعض المحللين أن هذا الوضع يمكن أن يكون ذو فائدة كبرى للبلدان النامية المنتظر أن تحقق نسب نمو عالية لأسباب كثيرة، ليس أقلها تراجع دينامية اقتصاديات الدول المتقدمة، ما يحفزها للالتفات إلى أسواقها الداخلية وهو ما يتوافق مع تركيبتها السكانية الشابة. أضف أن مديونية الدول النامية لم تبلغ مستويات مرتفعة، مماثلة لما وصلت إليها الديون في الصناعية الغربية. إلا أن هذا السيناريو المتفائل بالنسبة لدول الجنوب يمكن أن ينقلب رأساً على عقب.
حتى اليوم تبلغ تكاليف إنقاذ اقتصاديات العالم ما يزيد عن ٢٠ ألف مليار دولار، وهي مبالغ خيالية مبنية أساساً على قاعدة حجم الديون المتراكمة في البلدان الصناعية المتقدمة. وفي حال «تراخت» الجهود لإنقاذ ملائة الدول المديونة بشكل يدفع الدائنين للتفكير باحتمال ولو بسيط بأن لا يتم تسديد القروض، عندها يمكن للنظام المالي العالمي أن ينهار بشكل دراماتيكي ومؤلم.
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من المضاربين يلعب على ما يسمى «فرضية الفوضى»، أي أنه يراهن على ارتفاع فوائد الديون بسبب ما يسمى بـ«علاوة المخاطرة المنتظمة» وهو حساب نسبة العائد، الذي يطلبه المستثمر مقابل الاستثمار في «أصول مالية غير مضمونة» وذلك للتعويض عن المخاطر المرتبطة بهذه الأصول. وبالطبع تزيد علاوة المخاطرة كلما زادت المخاطر المرتبطة بها أي احتمالات عدم تسديد الديون.
وكان هذا وراء أزمة القروض اليونانية التي انطلقت بسبب انتشار فرضية العجز عن تسديد ديون الدولة اليونانية، ما قاد إلى ارتفاع تكاليف الحصول على أموال جديدة بالنسبة لليونان، بسبب تدافع نسب الفائدة بشكل مضطرد. وكاد يعلن عن «إفلاس الدولة اليونانية» لولا تدخل الاتحاد الأوروبي من خلال وضع خطة إنعاش بـ ٧٥٠ مليار يورو (ألف مليار دولار) لإنقاذ اليونان ولكن أيضاً أعضاء آخرين في منطقة اليورو الذين يواجهون نفس التهديد.
بالطبع استفاد المستثمرون في الدول النامية من هذا التلاعب على قيمة المخاطرة، إلا أن هذه الأرباح مرت عبر أوامر بيع وشراء في مصارف تعرف بدورها «أزمة سيولة» إلى جانب وصول استحقاقات فترة مطلع الأزمة في عام ٢٠٠٨ ما يمكن أن يجعلها عاجزة عن تسديد قسم كبير منها بسبب «عفونة محافظ» عدد كبير منها وعدم القدرة على تسييل أوراق عفنة junk ما يمكن أن ينعكس مباشرة على الاستثمارات الأتية من الدول النامية للاستفادة من تراجع إداء الاقتصاديات الغربية. وفي هذه الحالة سوف «تتوسع الأزمة» لتطال الدول النامية خصوصاً تلك التي أبقت أصول استثماراتها في الدول الغربية «طمعهاً بعلاوات المخاطرة».