- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ما الذي يُبقي الأسد في السلطة؟

وسيم نصر

شئنا أم أبينا و إن كان ذلك عدلاً أو ظلماً، حقاً أو باطلاً، فإن جزءً من الشعب السوري ما زال داعماً و مؤيداً لبشار الأسد. ذلك بالرغم من البطش و من الحرب التي دخلت إلى كل ربوع سوريا. من العوامل التي تسمح ببقاء الأسد رئيساً يوجد عاملان أساسيان : الخطر الخارجي و الخطر الإسلامي. في هذه الأجواء و عشية إنعقاد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس، وصلت أخبار عن إنشقاق العميد مناف طلاس، ما قام بتأكيده لوران فابيوس في بداية المؤتمر المذكور. لكن لماذا هذه الحماسة و ما سيكون وقع ذلك على تطور النزاع في سوريا؟
نلاحظ أن البلاد العربية التي نجحت فيها الثورات هي البلاد التي لم تعد شعوبها مقتنعة أو سامعة لحجة “الخطر الخارجي” الذي كان يبرر القمع و كف الأكمام. التدقيق في الحالة اللبنانية مع ثورة الأرز عام ٢٠٠٥ و في الحالة الإيرانية بعدها مع الثورة الخضراء عام ٢٠٠٩، يُظهر لنا صحة هذا التحليل، علماً أنه كِلا الحالتين مهدتا للربيع العربي الذي تبعهما. بالرغم من نجاح الحراك اللبناني في إخراج الجيش السوري بعد ثلاثة عقود من الإحتلال و بالرغم من إنضمام عدد كبير من الإيرانيين إلى الحراك الأخضر، لم يصل المحتجون إلى النتيجة المرادة. ذلك لأنه في كِلا الحالتين بقي نصف الشعب خارج الحراك.
حتى إن أبقينا خارج المعادلة المستفيدين من الأنظمة القائمة، جزء لا بأس به من اللبنانيين و من الإيرانيين ما يزال يرى تبريراً للقمع في الصراع مع إسرائيل و في العقوبات على الجمهورية الإسلامية. هؤلاء مقتنعون أنه إن إنضموا إلى الحراك فأنهم سيخدمون مصالح الأعداء في ما يوازي الخيانة.
هذا الشعور الشعبي أو الشعبوي إذا صح التعبير، كفيل بخنق أي مطالبة شعبية. البرهان على ذلك يكمن في نجاح الثورات في كل من تونس، مصر، اليمن و ليبيا، لأنه في كل هذه البلاد كانت الشعوب محررة من “الخطر الخارجي” إذ أن حكام هذه البلاد كانوا من أكثر المتعاونين مع الغرب للحد من الهجرة أو في الحرب على الإرهاب و الشعوب كانت مدركة لذلك.
الحالة السورية مغايرة، إذ أنه بالرغم من تعاون الأسد الأب و الإبن مع الغرب على أكثر من صعيد، إستطاعوا أن يبقوا على فكرة سوريا الممانعة في وجه هذا الغرب نفسه. بطريقة ما التدخل الخارجي يدعم هذه الفكرة مصوراً الأسد مواجهاً الغرب و مملكات الخليج العربي.
عامل آخر و هو عامل الأقليات يدعم أيضاً بقاء الأسد. فبالرغم من إرتفاع عدد من الأصوات داخل هذه الأقليات و حتى العلوية منها، ما زال الخوف سيد الموقف.
إذاً حتى لو أن فكرتا المؤامرة الخارجية و خوف الأقليات لا تقنعان الكثيرين، فكلاهما تلعبان دوراً أساسياً في بقاء الأسد على عرشه. مما يفسر البحث عن حل يُبعد الأسد دون المساس بهيكلية الدولة القائمة.
في حسابات عدد من الدول الغربية العميد مناف طلاس يُجسد هكذا حل بسبب قدرته على إستمالة من ما زال يدعم الأسد من الطائفة السنية. طبقاً للحسابات نفسها طلاس له القدرة على مواجهة القوى الجهادية التي تفعل على الأرض و خلق توازن مع هالة الإخوان في المجلس الوطني السوري.  إنتمائه إلى المؤسسة العسكرية و إلى الحلقة الأولى يجعله مقبولاً من قبل موسكو، لذا لم يتأخر المجلس في إعلان نيته التعاون مع طلاس بينما آخرين من المعارضة السورية مثل ميشال كيلو إقترحوه على الروس خلفاً لبشار الأسد.
في واقع الأمر يمكن لطلاس أن يتباها برفضه قيادة عمليات باب عمرو و بإنتماء قريبه عبد الرزاق طلاس  إلى المعارضة العسكرية كونه على رأس كتائب الفاروق في حمص. إنما لا يجب أن ننسى أن طلاس أُبعد عن قيادة فرقته في الحرس الجمهوري منذ أشهر، إذاً وقع مغادرته سوريا على العمليات العسكرية شبه معدوم. بينما لو أنه أعلن إنشقاقه كما فعل ضباط آخرون قبله و لو توجه إلى القتال لكان وقع ذلك كبيراً على النظام. لا يجب أن ننسى أن هذا الخروج من سوريا من الممكن أن يكون له دوافع مادية للحفاظ على الثروة العائلية من العقوبات. لا يجب أن ننسى أيضاً أن تصرفات عائلة طلاس ساهمت في وصول الأمور إلى ما آلت إليه الآن.
في نهاية الأمر إن كان النظام يستند إلى معادلات بائدة للبقاء، فإن العالم يستند أيضاً إلى بدائل بائدة. فكيف لنا أن نتخيل أن اللذين يقاتلون على الأرض و يدفعون دمائهم ثمناً لهذا القتال و إن كان مع أو ضد الأسد سيقبلون لقيادتهم : معارضين مبعدين في الصالونات جامعين للهبات، مجلس وطني ضحية مناكفاته، قياديين من الصف الأول فاسدين و متورطين أو معارضين سلميين ذائبين في بحر من الدماء. القتال وحده سيحدد من سيحكم سوريا غداً و في حينه يجب على العالم أن يقبل بالفائزين … إسلاميين كانوا، علمانيين، إرهابيين أو ببعثيين !