- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

حرب ضد الصورة

جمانة فرحات

لا يكتفي النظام السوداني هذه الأيام بخوض معركته ضد المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع، بعدما ضاقوا ذرعاً بالأوضاع الاقتصادية والإجراءات التقشفية التي تعلنها االسطات بشكل متواتر منذ أشهر في محاولة الحد من التدهور الإقتصادي الذي يصيب البلاد. إنه يخوض حرباً ضد الصورة. قرابة شهر على اندلاع احتجاجات السودان، وحتى اللحظة، لا تتخطى الصور التي نجحت وكالات الأنباء العالمية العاملة في السودان بتسريها عن المتظاهرين والاحتجاجات أصابع اليد الواحدة. فالنظام يفرض حصاراً على المصورين، مانعاً إياهم من التقاط صور للأحداث.

ومنذ اليوم الأول للاحتجاجات، تواترت الأنباء عن اعتقالات طالت عدداً من المصورين السودانيين، قبل أن يتطور الأمر إلى ملاحقة مصوري وكالات الأنباء الأجنبية، واجبارهم على افراغ ما التُقط من صور من كاميراتهم. والنتيجة رعب من رفع المصورين المعتمدين الكاميرا لالتقاط أي صورة. وعندما تسأل صحافياً عما اذا كان قد نجح في التقاط صورة خلسة، يسخر بألم من عجزه قائلاً الصورة تعادل السجن في هذه الأيام.

هكذا، يثبت النظام السوداني أنه استفاد من درس وحيد من الثورات العربية، يتمثل في حجب الصورة لمنع التعاطف مع المحتجين واظهار قمعه لهم. لكنه بالتأكيد لا يمكن أن يكون مقتنعاً أن حجبه للصورة سيمنع الاحتجاجات أو يقلل من زخمها.

الشعب السوداني رائد الثورات في العالم العربي. وسبق أن نجح في ثورتين سواء في عام 1969 ضد ابراهيم عبود أو في العام 1985 ضد الفريق جعفر النميري، بما يعرف بـ«انتفاضة ابريل»، ولم يكن خلالها للصورة أي دور يذكر. بل كان عزم الشعب هو المحرك الوحيد. يومها لم يسأل السودانيون عن عدد المتعاطفين معهم في الخارج، أو عن عدد القنوات الفضائية التي تغطي أحداثهم. ولم يقارنوا بين لهفة بعض القنوات الفضائية لتغطية ثورات بعينها وإفراد مساحات للأحداث في هذا البلد أو ذاك وبين التقاعس الذي يمكن ملاحظته في تغطية الأحداث السودانية. فوجهتهم كانت وستبقى وفقاً لما يؤكدون، الداخل، حيث الشعب وحده، ستكون له الكلمة العليا إما في تفعيل احتجاجاته لتحويلها إلى ثورة تجتاح كافة المناطق السودانية وتؤدي إلى وضع نهاية لحكم الإنقاذ، الذي وصل إلى السلطة في العام 1989، أو الاكتفاء بتسجيل موقف ضد النظام وسياساته حتى يحين موعد آخر للتغيير الشعبي، قد تكون حينها الكاميرا قادرة على تسجيل هذا الحدث أو قد لا تكون. لكن لا فرق، فمتى  آن وقت التغيير لا يمكن لأحد أن يوقفه.