- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

من “الأخطر” باكستان أم إيران ?

وسيم نصر

من الغريب التركيز المفرط على إيران و على سعيها لإمتلاك القدرة النووية، بينما جارتها باكستان التي تمتلك القدرة النووية العسكرية والصواريخ الباليستية لا تحظى بإهتمام يُذكر من قبل عواصم القرار العالمية.
إسلام أباد تمتلك أكثر من مئة رأس نووية و ما زالت تسعى إلى زيادة قدراتها في هذا المجال؛ بينما الجمهورية الإسلامية لا قدرة لها حتى على تجميع رأس واحدة.

يُفسر خوف المجتمع الدولي من إمتلاك إيران قدرات نووية من خلال دعم طهران لمنظمات مُصنفة «إرهابية»، بسبب العداء  للولايات المتحدة و إسرائيل وبسبب الخوف من سباق تسلح في المنطقة. لكننا عندما ننظر إلى الحالة الباكستانية نرى أن كل هذه المعايير تنطبق على إسلام أباد أيضاً.
فإذا عدنا قليلاً إلى الوراء، نرى أن باكستان هي من زودت كوريا الشمالية وليبيا القذافي وحتى إيران بالتكنولوجيا النووية. أضف إلى أن باكستان كانت على وشك الدخول في حرب نووية مع الهند عام ١٩٩٩.

أما بالنسبة لموضوع الإرهاب فالكل يعرف أن أسامة بن لادن كان يعيش بكل طمأنينة بالقرب من العاصمة إسلام أباد و في مدينة فيها أكبر مدرسة حربية في البلاد ويقتنها عدد كبير من العسكريين، هذا و ما تزال مناطق باكستان الشرقية تُعد من أهم معاقل القاعدة في العالم. هذا دون أن ننسى الهجوم الإرهابي الذي إستهدف أحد أعرق فنادق مومباي عام ٢٠٠٨ علماً أن الرأس المدبر للعملية الإرهابية كان أميركي من أصل باكستاني يعمل في نفس الوقت كمخبراً للأجهزة الأميركية. بعد التحقيقات التي قامت بها الأجهزة الهندية ظهر أن للمخابرات الباكستانية يدٌ في هذا الهجوم الذي كان منظماً تنظيماً عسكرياً دقيقاً.
لو أن هذا الهجوم كان مُدبراً من إيران لكان العالم وجه أصابع الإتهام إلى إيران متكلماً عن إرهاب الدولة. إنما في حالنا هذه لم يتهم أحد باكستان بإرهاب الدولة. تفسير هذا الإختلاف في المعاملة يكمن في كون باكستان من الحلفاء و من أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية المالية و العسكرية.

وفي المقابل فإن خطر وقوع مقدرات باكستان العسكرية في يد مجموعات إرهابية كالتي تجول و تصول في أرجاء باكستان هو خطر حقيقي. البرهان على ذلك هو المناورات الدائمة للجيش الباكستاني الذي ينقل صواريخه من مكان لآخر كل فترات زمنية قصيرة نسبياً.

التركيز على إيران ليس له مبرراً حقيقياً في يومنا هذا و إن كان له تبرير أيام تصدير الثورة الإيرانية. فالجمهورية الإسلامية اليوم على إستعداد لتقديم تنازلات إن ضمنت دورها في المنطقة كقوة فاعلة و مسموعة. إستبعاد طهران اليوم من الحوار الدائر حول سوريا يُذكر بإستبعادها عن مناقشات السلام التي دارت في أوساط تسعينيات القرن الماضي بين الدول العربية و إسرائيل. نستنتج اليوم أنه في حال أشركت إيران في هذه المفاوضات لرُبما كان التاريخ أخذ مجراً آخراً، فمعارضتها كانت بسبب إستبعادها أكثر منه بسبب تمسكها بالقضية الفلسطينية و في حالة الحرب الدائرة اليوم في سوريا ستكون إيران أكثر إستجابة للمجتمع الدولي إن أُشركت في الحل.
يجب النظر أيضاً إلى واقع السياسة الداخلية في الجمهورية الإسلامية بعد الإنتخابات الأخيرة. فنتائج هذه الإنتخابات لها تداعيات و دلالات كثيرة على أكثر من صعيد داخلي و خارجي. لقد جرى تحجيم نفوذ الرئيس الإيراني و إعادة تأكيد نهائية القرار في يد مرشد الثورة بعد تلبد الأجواء ما بين الرجلين في المرحلة الأخيرة.
هذا الفوز الساحق لخامنئي يعطيه شرعية تخوله التصرف بكثير من الحرية في الملفات الشائكة كالملف النووي و الصراع الدائر مع المجتمع الدولي حول هذا الملف. حتى و إن كانت الآمال التي ظهرت بعد مؤتمر إسطنبول عادت و تبخرت في مؤتمر موسكو. بالرغم من ذلك يجدر بنا التوقف عند التعيينات التي قام بها مرشد الثورة بعد الإنتخابات (راجع ” مُسلسل النووي الإيراني: حلقة استبعاد “الحل” العسكري “).
في نهاية الأمر من الضروري عدم إستبعاد طهران عن أي حل للأزمة السورية و يجب الإعتراف بالدور الإيراني إن أردنا إستقرار المنطقة لأنه من المعروف أن كل مُستبعد عن طاولة المفاوضات سيعارض النتيجة أياً كانت. علماً أنه واقع المنطقة اليوم و تشعبات الحروب و النزاعات القائمة تُحتم إشراك طهران بالرغم من تباين وجهات النظر و الخلافات المزمنة.