- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

كل هذا الدم

زاوية حادّة

حسام كنفاني

لا ينفك ينقضي يوم دون ان تطالعنا الأنباء بسقوط عشرات القتلى والجرحى في الاراضي السورية. تختلف التفسيرات والمسببات والاتهامات والمنفذين، لكن تبقى هناك حقيقة واحدة لا مفر منها، وهي الموت. الموت يأخذ حصته يومياً من الشعب السوري في أزمة تبدو مفتوحة الى ما لا نهاية ومتنقلة بين الأروقة الدولية والمؤتمرات الإقليمية التي لاتسمن ولا تغني من جوع، بل على العكس تزيد من حجم السفك اليومي للدماء. فمع كل استحقاق مرتقب لا بد من حدث امني جلل يدفع فيه العشرات ثمن رسائل سياسية يريد هذا الطرف او ذاك إيصالها. النماذج كثيرة، واتهامات التنفيذ ايضاً، من تفجيرات الميدان الى مجزرة الحولة وصولاً الى ما وقع في التريمسة قبل ايام قليلة.
لم تعد المأساة السورية وليدة حركة احتجاجية ومطلبية فقط، بل دخلت في سياق معادلة دولية أوسع بمراحل كثيرة، وباتت محددة “لشكل النظام العالمي الجديد”، كما نقلت وكالة الأنباء السورية عن احد المسؤولين الروس. معادلة أرقامها هم افراد الشعب السوري الذين يتساقطون يومياً بهذا السلاح او ذاك.
كل هذا الدم المسفوك لا يلقي له احد من أطراف المعادلة الخارجية بالاً، طالما انه دم بعيد. لكن ماذا عن القريب، ماذا عن أبناء هذا الشعب، بنظامه ومعارضته؟ الامر ليس مختلفاً كثيراً، فالكل يرغب في استثمار هذا الدم لصالحه، هذا للتدليل على “إرهاب المعارضين”، وذاك للتأكيد على إجرام النظام. لا حلول في الأفق، او على الاقل لا احد يرغب في خروج حلول الى حيز التنفيذ. لا كبيرة مرفوعة لكل ما قد يسقط مصالح الطرفين. النظام مرتاح الى الغطاء الروسي والعجز الدولي، وها هو ماض في حسمه العسكري، الذي يؤكد كثيرون مقربون من النظام انه لن يزيد الامور الا تعقيداً، ولن يؤدي الى اي “انتصار”. حتى ما حكي عنه انه إصلاح اتضح لاحقا مدى زيفه. ولعل ما اعلن عنها في المرحلة الاخيرة انها وزارة مصالحة وطنية خير دليل على ذلك. فرغم النوايا الطيبة للوزير علي حيدر، الا انه لا يبدو ان لوزارته اي امل في النجاح وهي تفتقد الى المبنى والموظفين المخولين العمل على هذه المصالحة.
في المقلب الاخر الوضع ليس اقل سوءاً، ولعل ما شهده مؤتمر المعارضة في القاهرة يعطي صورة عن الوضع الذي ينتظر الشعب السوري، او مدى اهتمام من يقولون إنهم ممثلوه بمعاناته. كل ما هو مطلوب هو خروج المعارضة بموقف موحد يلبي تضحيات كل الذين قتلوا في الداخل السوري. لكن هيهات ان تلتقي المصالح والحسابات في مثل هذا الظرف، الذي يجد فيه كل طرف معارض ظلاً خارجياً يحتمي بمواقفه وأمواله.
النظام والمعارضة في طرفين من غير الممكن ان يلتقيا، ولكل منهما وجهة نظره. لكن في هذه الأثناء هناك العشرات يمضون يومياً الى وجهة لا نظر فيها. هؤلاء ليسوا ارقاماً للحساب، هم حياة تنزف اهلها بلا مقابل.
حسام كنفاني