الإجازة مهمة جداً لإستعادة النشاط بعد رتابة عمل تدوم لأكثر من 350 يوماً، فكيف اذا كانت الإجازة في ربوع أوروبا حيث الخضرة والمياه والوجوه الحسنة؟
في الحقيقة، كانت الزيارة الأخيرة الى ألمانيا خليطاً بين عمل وسياحة ومشاريع أخرى، إلاّ أن جانب العمل الذي تمثل بالمشاركة في مؤتمر عالمي تقيمه مؤسسة «دويتشه فيله» الإعلامية، وكان هذا العام تحت عنوان التعليم والإعلام، لم يكن مُرهقاً بفضل مناخ مدينة بون الجميل، لولا موجة برد قارصة وبعض شتاء غيّر من مشهد الطقس الجميل للعاصمة الالمانية السابقة المترامية على ضفاف نهر الراين.
المدينة الجميلة التي تشبه بهدوئها قرية متمددة باتجاهات أربعة، احتضنت مؤتمر «دويتشه فيله»، فيما كانت مسقط رأس الموسيقار الشهير لودفيش بيتهوفن تحتفل بعيد صحافتها، وفيما كان عشّاق كرة القدم يحتفون بالفرق الأوروبية التي تحقق انتصارات ضمن دورة كأس أوروبا.
فالإجازة لم تكن خاضعة لرتابة العمل طالما أن المدينة فيها كل عناصر المشهد السياحي والجمالي، الذي يجعل المرء مسترخياً من تعب شهور متواصلة وضغوط اقتصادية ومعيشية خانقة يشهدها لبنان.
ولولا خطأ جهنمي وقعت فيه شركة سفر ألمانية تبيع تذاكرها عبر الانترنت، لكانت إجازة كاتب هذه السطور الى القارة العجوز، قد تُوجّت بزيارة مدينة الأنوار ومعقل العطور، حيث برج إيفل الشاهق. لكن حساب الحقل الذي تم التفاهم حوله مع مؤسس هذه الجريدة الغراء الدكتور بسام طيارة، جاء معاكساً لحساب البيدر، بعدما قامت شركة «Opodo» بإلغاء الحجز من دون أن تخبر صاحب العلاقة، ورغم تقاضيها الثمن كاملاً من خلال بطاقة الاعتماد.
على أي حال لم تعد الشركة لصاحب التذكرة المُختفية المبلغ المعهود رغم اتصالات ورسائل متكررة، كما انها لم تعتذر عن الغاء الحجز من طرفها من دون سابق إنذار، مع أن الألمان معروف عنهم الصدق والانضباط أكثر من غيرهم من شعوب.
فالشعب الألماني الذي عايشته سابقاً وعدت اليه هذه المرة في بون وبرلين وشتوتغارت وفرانكفورت وبفورزهايم، لا زال على حاله من الانضباط والصدق والدقة في المواعيد والروعة في التنظيم.
ثمة صورة نمطية خاطئة عن أن الشعب الألماني عنصري ولا يتكلم بغير لغته وبأنه لا يتعاطى مع ضيوفه من السياح بلطافة. صورة سرعان ما تضمحل أمام لطافة الناس هناك وقيامهم بكل ما يلزم لمساعدة محتاج أو عابر سبيل ضيّع طريقه وباللغة التي يتقنونها. فالجيل الجديد يستمتع بالكلام بلغات أخرى مثل الانكليزية والإسبانية وحتى العربية اذا كان يعرف بعضاً منها.
كما أن الابتسامة المُرتسمة على شفاه جميلات ألمانيا أصبحت جزءاً من مشهد عام ينسحب على صور عديدة مثل أناس يقرأون الكتب والصحف خلال رحلاتهم في وسائل النقل المتطورة والمتوفرة الى كل مكان من الجمهورية الاتحادية، أو أولئك الذين يستغلون ظهور الشمس للاستلقاء شبه عراة على الحشائش الخضراء.
مشهد رغم بعض السلبيات والصور غير الحضارية النادرة، تسيطر عليه عناصر عديدة تشي بواقع يعيش نمواً اقتصادياً بخلاف معظم الدول الأوروبية الأخرى، وبانسان لا يزال يصرّ على التمسك بالنظام وفق السستام الهيغلي (نسبة الى الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل) أو على مبدأ الفيلسوف أمانويل كانط في دقة مواعيده ومعالجته المحترفة للقضايا.
