- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

إعلام الطوائف

طانيوس دعيبس

الصوت السني.. الصوت الشيعي.. الصوت الماروني.. الصوت الأرثوذكسي.. ضجت وسائل الإعلام يوم الأحد الفائت بهذه التعابير، في مناسبة الإنتخابات الفرعية التي جرت في قضاء الكورة بعد فراغ المقعد بوفاة النائب فريد حبيب.
وسيقول قائل إن الأمر طبيعي. فهذه هي اللغة السياسية السائدة في لبنان. وهذه هي طبيعة الإجتماع اللبناني، وطبيعة نظام لبنان السياسي. وبالتالي فإن احتساب نسب الإقتراع وفق التصنيف الطائفي، تجسيد أمين لواقع قائم.
ماذا لو عكسنا الصورة ؟ وبدأنا بالحكاية من وجود مرشحين ، أحدهما من القوات اللبنانية ، والثاني من الحزب السوري القومي الإجتماعي. الأول ينتمي إلى تكتل 14 أذار، والثاني إلى نكنل 8 أذار. يبدو المضمون هنا واضحاً في السياسة. يبدو الإنقسام طبيعياً. يبدو الصراع حاملاً لقيم متينة في اساس بنيان وعي سياسي، لك أن تقبله ولك أن ترفضه.
ما الذي يحصل إذا أدخلت على الصورة إحتساب التصويت المذهبي ؟ تضيع السياسة . خصوصاً وأن الإحتساب الفعلي يُظهر أن المرشحين حصلا على أصوات من كل المذاهب، حتى ولو اختلفت النسب.
الإعلام في أدائه المشوّه ساهم في إضاعة السياسة، في معركة سياسية بامتياز.
لم يُضع السياسة فقط. اضاع دوره. لأن تطييف الإعلام، وتمذهبه، وجعله ناطقاً باسم الطوائف، وحاملاً لهواجسها، ومتبنياً لظواهرها الأكثر إثارة والأقل تعبيراً، يحوله إلى مجرد أداة تحريض. إلى خادم مطيع لنظام طائفي لا يعيد إنتاج نخبه وحسب، بل يجهد من أجل الإحتفاظ بكل أدواته وأهمها خطابه. فلماذا يؤمن له الإعلام هذا الجهد، أو يوفره عليه ؟
كيف يجرؤ صحفي على سؤال مرشح عن رأيه بطبيعة تصويت الناخب السني ؟ أو الماروني ؟ أو .. أو ؟ أية صورة يريد إيصالها إلى المتلقي ؟ أية رسالة يريد بعثها ؟ الجواب طبعاً هو أن الصحفي يعرف أو انه مقتنع بان الكتل الطائفية والمذهبية تتحرك في الإنتخابات كقطعان في معظمها .. وليس وحده في هذه القناعة، بل معظم جهابذة الإحصاء، ومختصي الماكينات الإنتخابية، و”المحللين السياسيين” الذين يملؤون الشاشات وأمواج الأثير وأعمدة الصحف. اللغة نفسها. التصنيف ذاته.
لكن الصورة التي تصل هي صورة ناقصة بالرغم من كل تلك القناعات. لا يجدي إنكار وجود انقسامات طائفية وصراعات مذهبية بين اللبنانيين بطبيعة الحال. غير أنه لا يجدي أيضاً إخفاء الحقائق السياسية والإجتماعية والإقتصادية لصراعاتهم. ولا يجدي التستر على أصحاب المصلحة في إخفاء هذه الحقائق. وهذا ما أعنيه بالقول إن الإعلام يضيّع دوره بتضييعه السياسة. يكتفي بلعبة الإثارة. يركّز على استنفار الغريزة. يستجدي المتلقي بما يرضي انفعالاته البدائية. ولا يذهب نحو تظهير الحقائق الجوهرية للصراع. حقائق مصالح الناس وحاجاتها. وفعالية تكتلها حول هذه المصالح والحاجات لتأمينها.
لقد طرحت سابقاً السؤال عما إذا كان ممكناً وجود إعلام غير طائفي في نظام طائفي ؟ كان جوابي بالنفي. الآن، أميل إلى تغييره. أرى من طبيعة الإعلام أن يكون مساحة حرة. وكل ما يعاكس هذه الحرية يعاكس طبيعته. ومع تطور أدوات الإتصال والتواصل، باتت ممارسة هذه الحرية أمراً لا يُرد. ستبقى للنظام الطائفي أدوات خطابه الإعلامي ووسائل إعلامه. وسيسعى بزعاماته وممثليه إلى حصر الإعلام ضمن هذه الدائرة.
وستتمسك الطوائف بإعلامها، وبسطوتها على مجمل المساحة الإعلامية. إلا أن نجاح الطوائف ونظامها مؤقت. أقله في ما يتعلق بالإعلام. بات “الفلتان الخلاق” أوسع من أن يُضبط.
أحد الوجهاء ذكر “شعب الكورة” حين كان يتحدث عن الإنتخابات الفرعية. لم يقل “أهل الكورة” أو الكورانيين.
تخيلوا اللغة : الصوت السني.. الصوت الماروني.. الشعب الكوراني .. الشعب الكسرواني..
تخيلوا إعلاماً مختلفاً..