- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

المستقبل وخسارة “ترانزيت”

جاد عويدات*
يتوقف برنامج ترانزيت نهائيا عن البث من على شاشة تلفزيون المستقبل. برنامج كانت تعده وتقدمه الزميلة نجاة شرف الدين بكل حرفية ومهنية عالية. الهدوء هو سمة هذا البرنامج في زمن حوار الكراسي وشهر المسدسات والكلام البذيء! ضيف البرنامج ليس الملك لكن له كل الاعتبار والاحترام وحرية الاجابة بعيدا عن المقاطعة والاستفزاز والابتذال.

اذاً مبدأ البرنامج يحاكي صناعة الاعلام وكواليسه، فهو يستضيف أسبوعيا إحدى الشخصيات الاعلامية والصحافية المرموقة من مختلف الجنسيات للحديث عن كيفية انتاج رسالتها الاعلامية الاخيرة والتي عرضت في وسائل الاعلام المحلية والعالمية سواء أكان ريبوتاج تلفزيوني أم مكتوب، مقابلة صحفية أم مقال تحليلي أو حتى سبق صحفي. حوار سلس تجريه المقدمة مع الضيف الذي يروي ببساطة وسلاسة الظروف التي تم من خلالها انتاج عمله الصحفي احيانا في ظروف ميدانية صعبة خصوصا في مناطق الحروب والنزاعات.

لقد أضفت نجاة بضحكتها، بعدا إنسانياً على برنامجها وأسلوبها في العمل من دون البُعد عن الحرفية واحترام القواعد المقدسة في حرية الاعلام أي عدم إجبار الصحافي على ذكر مصادره كما حصل مثلا مع روبرت فيسك في كتاباته الأخيرة حول سورية وغيره، لكنها في مثل هذه الحالات لم تتردد في طرح السؤال عن المصادر والغوص في تفاصيل المحتوى والمضمون إيمانا منها بدورها في البحث عن الحقائق.

برنامج ترانزيت (كان) هو مساحة للتلاقي والحوار بين الثقافات والحضارات، لانه استضاف العديد من الإعلاميين من كافة الجنسيات ولا ننسَ اللبنانية منها. هؤلاء الضيوف كانوا محط أنظار وعناية مقدمة البرنامج التي تطرح الأسئلة البناءة وفي بعض الاحيان أسئلة مباشرة وملحة لكسر الصورة النمطية ودحض العموميات خصوصا المنطبعة في ذهن الصحافيين الغربيين حول العالم العربي والإسلامي. هذه هو الهدف النبيل المفترض للإعلام، وسيلة لتخطي الحواجز والعبور لفهم الآخر والتواصل ومد الجسور بين الشعوب. هذه المدرسة الاعلامية تتلاشى شيئاً فشيئا في هذه الأيام في عالمنا العربي لتحل محلها مدرسة الصدام والعنف والتضليل والتفاهة.
مهنية نجاة شرف الدين تجلت في إحدى المرات عندما تحاورت مع الرئيس بشار الأسد في مؤتمره الصحفي في بعبدا خلال زيارته إلى لبنان قادماً بطائرة وبصحبة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الى لبنان في العام ٢٠١٠. آنذاك سألته بكل جرأة وتجرد عن المصالحة والمبادرة س – س التي أنعمت بالاستقرار على لبنان لبضعة ايام. كما أردفت بدعوتها الشهيرة له بدون تحفظ لإجراء حوار على شاشة تلفزيون المستقبل وهو الذي أنشأه الرئيس الراحل رفيق الحريري.
لن ندخل في تفاصيل خلفية قرار إدارة تلفزيون المستقبل بتوقيف هذا البرنامج، لكنه قرار خاطئ جداً. وهنا لا يسعنا إلّا أن نكرر ما ذكرته نجاة شرف الدين  في نهاية حلقتها، «لمّا تطفوا الشاشة تذكّروا إنّو الأحداث ما بتوقف». بالتأكيد الاحداث لا تتوقف والقراءة النقدية للتعاطي الإعلامي معها لنشر الوعي يجب ألا تتوقف.
ملاحظة : برنامج ترانزيت كل خميس على المستقبل، الحلقة الاخيرة مساء اليوم الخميس ١٩ تموز
* دكتور في علم الإعلام (جامعة باريس) وكاتب في صحيفة «برس نت»