- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لاجئون ومبتّزون

معمر عطوي

نتحدث كثيراً عن اللاجئين ونرثي لحالهم، لكن لا يمكن اختبار صعوبة اللجوء وحجم معاناة اللاجئ إلاّ بعيشها. ففي لبنان خبر أبناؤه من الشمال الى الجنوب معاناة التهجير والنزوح جرّاء المعارك المُتكررة على مدى 20 عاماً، والتي عادت من جديد مع حروب اسرائيل المُدّمرة ضد الجنوب والضاحية والبقاع، إضافة الى حروب الإخوة والاشتباكات الطائفية في أماكن عديدة من لبنان.

لعل المشهد الآن يتكرر مع الأشقاء في سوريا، الذين وصل عدد نازحيهم الى لبنان نحو 60 الف شخص موزّعين بين مدارس ومخيمات وبيوت أصدقاء وأقارب وبيوت مُستأجرة. ومنهم من توزعوا على المستشفيات حيث وصلوا مصابين بجراح أو مرضى.

فالحديث عن اللاجئ ليس كالحديث معه، والتعاطف مع اللاجئين ليس مثل عيش الحالة نفسها. فمن خلال جولة على بعض السوريين الهاربين من جحيم الاقتتال والظلم الداخلي، يمكن لمس المعاناة ليس فقط مع الظالم الذي تسبب في التهجير بل ايضاً مع المضيف الذي يبتز اللاجئ برفع إيجار البيوت والتحكم في الأسعار بما يُشكل صدمة لشخص هارب بثيابه وببعض مصاغ أو نقود لا تكفي لأيام معدودة ثمن خبز ودواء.

هذا ما يحصل مع بعض السوريين في لبنان اليوم، حيث يتعرضون لابتزاز حقيقي من اصحاب الشقق التي أصبحت أصغرها تؤجر بما يوازي 700 دولار أميركي في القرى النائية بينما كان ايجارها قبل الأزمة لا يتجاوز المئتين دولار.

ناهيك عن أسعار المواد الغذائية والسلع التي باتت لعبة بايدي التجار، يتلاعبون بها حسبما تشتهي انفسهم.

لكن في المقابل، هناك من اللبنانيين من يسعى الى مساعدة النازحين فيساهم بعمل خيري لجمع مبالغ مالية ومساعدات عينية يتم تقديمها للعائلات الموزعة على البيوت والمدارس، في العديد من مدن وبلدات البقاع والشمال، مع تسجيل غياب كامل للدولة ومؤسساتها في هذا المضمار.

الجمعيات الخيرية أيضاً نشطة وتقوم بما يلزم لتوفير الحد الأدنى من احتياجات هؤلاء الناس الذين لا يريدون سوى العودة الى بيوتهم آمنين بعد التخلص من نظام مستبد حكمهم عقوداً بالسياط والإذلال.

ولعل ما يحتاجه النازحون الآن ريثما تنتهي أزمة سوريا، هو تنظيم استيعابهم في مخيمات ووفق جداول تنهي حالة الفوضى التي تسود في أكثر من مكان من أمكنة تجمعهم فتوفر لهم مدارساً- خصوصاً ان المدارس في عطلة الآن- لاستيعاب العائلات التي لا تقوى على دفع إيجار شهري.

في أي حال لا يمكن تصور معاناة اللاجئ حتى لو تم تأمين كل الأشياء الأساسية من فرش وطعام وماء وادوات طهي ومواد طبية الخ.

لعلها معاناة تبدا من استلاب الخصوصية من ظروف الاغتسال والنوم الجماعي وطريقة تقديم الطعام، الى الحرية المفقودة جراء عدم القدرة على العمل او التحرك، وصولاً الى عيون الأمن التي تلاحق المعارضين حتى في أماكن لجوئهم فتبث الخوف فيهم وتهدد أقاربهم في قلب العاصفة بالانتقام إن حكوا سلباً عن النظام أو الشبيحة التابعة له. بالفعل الحكي ليس مثل الرؤية والرؤية لا يمكن ان تصل الى درجة المُعاش.